الإنسان عدو ما يجهل، هكذا تقول الحكمة، فكيف بمن لا يستطيع قراءة حرف من حروف الكون المسطور في معجزة خلقه وإيجاده. الإنسان عدو نفسه فمن عرفها بلغ قرار المعرفة، والعرفاني لا عدو له، فلقد طوّع نفسه بالمجاهدة وتعرف الى بعض حروف الكون والتكوين، فكان كل خلق الله احباءه ورعايتهم مطلباً لديه وكل قصرباع الكتاب الباحثين عن العرفان جعلت نظر...
قراءة الكل
الإنسان عدو ما يجهل، هكذا تقول الحكمة، فكيف بمن لا يستطيع قراءة حرف من حروف الكون المسطور في معجزة خلقه وإيجاده. الإنسان عدو نفسه فمن عرفها بلغ قرار المعرفة، والعرفاني لا عدو له، فلقد طوّع نفسه بالمجاهدة وتعرف الى بعض حروف الكون والتكوين، فكان كل خلق الله احباءه ورعايتهم مطلباً لديه وكل قصرباع الكتاب الباحثين عن العرفان جعلت نظرتهم الى أهل العرفان تخرج من معرفة هامشية له، وتحشره في التطلع الى الله سبحانه في عليانه، وهو يستحق ذلك، ولم يقرأوا العرفان بحقيقة العرفان، فهم الناظرون الى الله في عليانه بمنظار أرضه وسمائه، ومجالهم القيمي ما جاءت به الانبياء والرسل مع فطرة الله في خلقِ الله، غايته، رفعة الإنسان في عالم المادة ومع عالم المادة وخارج عالم المادة، فالمادة طريق عبور للعرفاني فكيف ينكر الطريق التي أوصلته الى غايته.العرفاني يفكر وسلوكه وعمله وعلمه وإتجاهه الآلهي يتوجه الى الناس، كلّ الناس لتنقية عوالق القوى المادية المترسبة في النفوس الصدئة الظلمية لتنير لها درب الخلاص من الموبقات النفسية تحت ضغط التأثيرات المادية كحالة فردية لتحقق حالة إجتماعية إلهية، لبيان مدن النفس الحقيقية وتجلو صورة الفطرة الخلقية الدليل لمن لا دليل له مكتوب أو مسموع. المادة من خلق الله، والروح من إبداعاته وأمره، نظرة العرفاني ليست مثالية محضة،ولا مادية محضة، بل واقعية أخلاقية، طريق عبورها المادة وغايتها الخلوص بالتحاور العقلاني بين مادية الإنسان وروحانيته، كما يقول بعض العارفين (الحسبات معابر للعقليات).في فجر الرسالة الختام نقلت الروايات أن بعض العرفانين إتخذوا التصوف منهجاً، وأطلق على كل عرفاني صفة التصوف، والتصوف حالة مظهرية والعرفان حالة قلبية، فإن إجتمعت الحالتان في شخص واحد حقق إنفراداً في سلوكه ولكن الفرق بين التصوف والعرفان كان بعد أن إتخذ بعض شيوخ التصوف مدارس وطرقاً وتجمعات فإعتمدوا الشكل أساساً لدخول عالمهم وإستخدمتهم السلطات السياسية المتعاقبة على الدول الإسلامية لتثبيت سلطتها بإسم الدين. والعرفان حالة قلبية فردية لا مظهرية، مادتها الإنسان وسيرها وسلوكها مستمد من القرآن، والسنة الشريفة، والمأثور عن الحكماء بمالا يتعارض مع النص فنشأت بالضرورة الفلسفة الآلهية لبيان فكرهم وحجبهم كمادة للإستدلال بما يتناسب مع إتساع رقعة المعارف في هذا الكون الواسع. تنوعت الآراء حول السير والسلوك وتعددت المطالب لكنها حافظت على قاسم مشترك بينها. وهذا القاسم المشترك متعلق بصفات شخصية لها ما يبررها في المعتقد ويتمتع فيها كلاً أو بعضاً منها كثير من المؤمنين مع تفضيل صفة على صفة وشمولية صفة لكثير من الصفات.وهذا ماأطلق عليه السير والسلوك، أي سبل التدرج كما عرفها أصحاب الطرق. والعرفان الى كل هذا وذاك وكعلم هو ميسر لكل مجتهد في التحصيل العلمي، مصطلحات، إشارات، مفاهيم عامة. ولكل فئة مصطلحها وإن إتفقت باللفظ مع مصطلحات لفئة أخرى لكن إشارتها الى الحقائق قد تختلف بالمقصد والمعنى مع الأخذ بعين الإعتبار اللغة والمنطقة الجغرافية والتأثر الثقافي بالموروث. العرفان علم وسلوك وإيمان بالعلم وبنتائجه.وأهم مرتكزات مقامات العرفان، الزهد والمعرفة المؤدية الى إستقرار نفسي عند المعارف لا تشوبه شوائب الدنيا الشكية أو المادة. التدرج أو مراحل السير والسلوك هي من مقامات المريد وليست من مقامات العارفين فقد بلغوا مرحلة السكون النفسي، إذ عزمت نفوسهم بعيداً عن الناحية المطلبية الفردية الى الإتجاه نحو خالقها ومكونها وإستقرت على بساط الرحمة لتكون مطمئنة.أشار الشيخ الرئيس إبن سينا الى مقامات العرفان بقوله : (العرفان مبتدئ من تفريق ونقض وترك ورفض ممعن في جمع، هو جمع صفات الحق للذات المريدة بالصدق منته الى الواحد ثم وقوف). كون تحكمت به الجبابرة، فعظمت مسؤولية الدعاة الى الإنسان، وهم مدعوون الآن أكثر من أي وقت مضى للوقوف مع الإنسان في قلبهم ولسانهم ويدهم، ولا عذر لهم على تقصيرهم في الدعوة الى وحدة الإنسان في وجه الطغيان، ومن أجل ذلك يأتي هذا الكتاب الذي يدعو المؤلف من خلاله الى الإنسان، إنسان البشر، إنسان الرسل، إنسان الله.