تشمل سورية الكبرى دولة سورية الحديثة، الأردن، فلسطين، ولبنان، والتي أصبحت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية في عام 1516، وكانت جغرافيتها البشرية غنية.فكانت اللغة العربية هي اللغة المشتركة في المنطقة بأسرها، وهي التي تحدث بها اليهود والمسلمون والمسيحيون من مختلف الطوائف؛ وبالرغم من إحتفاظ بعض الأقليات بلغات خاصة بطقوسها ومحافظة عدد...
قراءة الكل
تشمل سورية الكبرى دولة سورية الحديثة، الأردن، فلسطين، ولبنان، والتي أصبحت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية في عام 1516، وكانت جغرافيتها البشرية غنية.فكانت اللغة العربية هي اللغة المشتركة في المنطقة بأسرها، وهي التي تحدث بها اليهود والمسلمون والمسيحيون من مختلف الطوائف؛ وبالرغم من إحتفاظ بعض الأقليات بلغات خاصة بطقوسها ومحافظة عدد قليل من القرى المختلطة من المسلمين والمسيحيين على التكلم بالآرامية، فقد سادت اللغة العربية بشكل كبير في الحياة اليومية.وكانت اللغة التركية العثمانية لغة الحكومة، في حين أنها كانت تستخدم اللغة العربية في السجلات التجارية والدين والرياضيات الفكرية والقانون، وكانت المناطق الساحلية الموطن المعتاد للمسلمين الستة من تجار المدن والفلاحين على السواء، وكانت المناطق الجبلية موطناً لطوائف الأقليات في كثير من الأحيان التي لجؤوا أو عزلوا أنفسهم فيها عن الأغلبية، وكان من بينهم المسيحيون الموارنة، في منطقة جبل لبنان، الذين حافظوا على الطقوس الأصلية، وعلى التحالف مع روما، والدروز الذين يستمدون دينهم السرّي من عناصر معينة من الإسماعيلية الشيعية، وهم أيضاً في جبل لبنان وفي عدد قليل من المناطق المعزولة، والعلويون الذين يمارسون إيماناً سريّاً مقصوراً على فئة معينة أيضاً تنحدر من الإسماعيلية الشيعية، وهم في غرب حماه، والشيعة الأمامية في القليل من القرى الجبلية غرب حماه، كما قطن بعضهم الآخر حدائق دمشق وفي المناطق التي صارت جزءاً من جنوبي لبنان بالقرب من جبل عامل.إضافة إلى ذلك، فقد عاش المسيحيون الأرثوذكس والكاثوليك اليونان في القرى الزراعية والمدن، في حين عاش اليهود في المدن غالباً، أما البدو الذين كانوا مقسومين بحسب المهنة والقبيلة بين البدو الرحل والبدو شبه المستقرين أو قليلو الترحال، ومعظمهم من السنّة، والبدو المسيحيون الأرثوذكس في سهل حوران، وكان بطش الدولة في المقاطعات العربية خفيفاً نسبياً، وكان من النادر توفر الموارد أو الإرادة عند السلطة المركزية لغرض الحكم المباشر على ممتلكاتها البعيدة فاستعاضت عن ذلك بالحكم من خلال النخب المحلية.وكانت الطبقات الحاكمة العثمانية، مثل الطبقات الحاكمة في مركز الدولة، من المسلمين السنّة في المقام الأول، وعادة ما كانت العائلات السياسية الكبرى في دمشق تحصل على حق الأفضلية في الخدمة الحكومية (سواء المدنية، أو على الأجح والعسكرية) وتصبح في وقت لاحق من وسطاء الضرائب المسؤولين الحكوميين، وتصبح، في النهاية، من أصحاب العقارات الكبيرة.هذا ساعد على أحداث تغييرات بنيوية في المجتمع العثماني أي السوري، وبلغت موجة التغيرات الإجتماعية ذروتها بين سنتي 1918 و1949، لكن مع الإبقاء على قصة الوجهاء القديمة التي بقيت مهيمنة، استمر المثقفون وأعضاء الأسر البارزة بتفسير التاريخ على قياسهم على أنه قصة أبناء الأثنى عشر عائلة الدمشقية العريقة.وكانت القومية العربية راسخة في الإذهاكاديولوجية النخبة الصغيرة، وحتى تسعينيات القرن العشرين، ركز المثقفون بقلق شديد على كتابات نادرة لرجال متميزين للغاية، وأوضح قلة من المثقفين كيفية ظهور أيديولوجية نخبة من المفكرين وأصحاب الأراضي الأثرياء بشكل مفاجي في سنة 1920 لتملأ شوارع دمشق بالناس العاديين الذين تظاهروا من أجل الحقوق الوطنية، ولإنهاء الإحتلال الأوروبي.وكانت حركة الإستقلال الوطني في فترة الحرب حكراً سياسياً على الأثنى عشرة عائلة ذاتها، ولم يتعرض تركيز النخبة على التاريخ المكتوب لأي مشكلة، بقي السواد الأعظم من السكان صامتين وبلا حراك، لذا وبينما شرح المؤرخون سهولة الصفقات التي أبرمها السلطويون مع من هم أكثر منهم سلطة، فلا يستطيع أحد أن يشرح الصفقات المبرمة بين العديد من الضعاف نسبياً والأقوى والأقل عدداً.وبعبارة أخرى، كيف تمكنت طبقة الوجهاء من تنفيذ مفهوم الموافقة الضمنية، أو على الأقل القبول على مضض من أولئك الذين يسعون إلى الهيمنة بالتنسيق مع السلطة الإمبريالية؟ كيف كان شعور الناس العاديون بالنسبة لدورهم الهامشي في السياسة في تلك الآونة؟ ومن هم الذين قادوا الإنتفاضة عند ظهورها ومن هم الذين تابعوها لتشمل سوريا كلها بكل طوائفها وسكانها فتكون الثورة السورية الوطنية؟ وأولاً، وقبل كل شيء، ماذا كانت تعني الوطنية السورية في عام 1925؟.من هنا، يأتي هذا البحث الذي جاء بمثابة أطروحة لنيل درجة الدكتوراه، في محاولة للإجابة عن تلك التساؤلات، ليعرض الباحث من خلال دراسة تاريخية موثقة ذاك التمرد الذي ظهر بداية على العثمانيين وسياستهم المتميزة، وليشعل ذلك فتيل الثورة السورية في وجه الإحتلال الفرنسي وما رافق ذلك من حسّن وطني وتنامي للقومية العربية في تلك الفترة.