المعرفة الصحيحة وتكوين المفاهيم العلمية بطرق البحث العلمي ووسائله،وتقود المنظر إلى المعرفة بطرق تطوير النظريات والقوانين العلمية التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالطرق المنهجية العلمية. ومن ثمة فهي مادة محورية في تكوين الملمح العام لشخصية الطالب الباحث في أي تخصص من التخصصات العلمية الأكاديمية, إذ أن تكوين الطالب الباحث ـ كهدف سام...
قراءة الكل
المعرفة الصحيحة وتكوين المفاهيم العلمية بطرق البحث العلمي ووسائله،وتقود المنظر إلى المعرفة بطرق تطوير النظريات والقوانين العلمية التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالطرق المنهجية العلمية. ومن ثمة فهي مادة محورية في تكوين الملمح العام لشخصية الطالب الباحث في أي تخصص من التخصصات العلمية الأكاديمية, إذ أن تكوين الطالب الباحث ـ كهدف سامي في التعليم الجامعي ـ لا يتحقق إلا بامتلاك الطالب لناصية التفكير العلمي المنهجي, وتعلمه خبرة تخطيط وتنظيم وتصنيف وتوظيف المعلومات وإنتاج المعارف، وهو التعلم الذي يواجه به الفرد المتعلم مشكلات الحياة النوعية، فالحياة بأسرها كما يصفها "بوبر" حل للمشكلات أو كما يصفها "ديوي" بأنها مواجهة مستمرة للمشكلات والصعوبات. ومن خلال تعلم الطالب للمعرفة المنهجية ببعديها التفكيري المجرد والعملي الأمبريقي ـ بحيث تصبح مدمجة في سلوكاته التعلمية كأفعال منعكسة ـ يتمكن من مواجهة مشكلات الحياة ويراكم خبرة علمية يوظفها في المواقف الجديدة حين تصادفه مشكلات, بل إن تعلم المنهجية في التفكير هو تعلم التفكير الناقد في التفكير ذاته، الذي به يعدل الطالب من استراتيجياته في التفكير نحو الأفضل ويتدرب على ما يسمى بالتفكير في التفكير. ولهذه الأهمية البالغة لمادة المنهجية في تكوين ملمح الطالب الباحث, لاسيما في العلوم الاجتماعية والإنسانية، يتعين على الطالب والأستاذ والإدارة الجامعية الاهتمام بها،وتذليل كل صعوبات وعوائق اكتسابها كمعرفة جامعية, فالتضخم الكمي المتزايد للطلبة, ونقص المراجع المتوفرة في المكتبة وإكراهات الوقت والمكان، كلها عوائق جوهرية تحد من تعميم المعرفة المنهجية، وقد أحسسنا بهذه العوائق في تجربتنا العملية وممارسة التدريس الجامعي, الأمر الذي جعلنا نحس ونستشعر ضرورة تزويد الطالب بالمطبوعات الجامعية حول الثقافة المنهجية من حيث هي ممارسة للمنهج العلمي، حتى نلبي حاجاته لتعلم مفردات البحث العلمي الأكاديمي.وفي هذا الإطار تم إعداد هذا الجهد في صيغة كتاب بعنوان "البحث الجامعي بين التحرير والتصميم والتقنيات " وهو موجه للطلبة في مختلف الفروع والتخصصات الجامعية ومستوياتها (الليسانس ـ الماستر ـ الدكتوراه) ونعتقد أنها محاولة متواضعة تيسر العمل الأكاديمي للطالب في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وترتقي بمعارفه وإمكاناته وتؤهله إلى فهم الأبعاد الابستمولوجية للمعرفة الجامعية، وتدربه على صياغة المضامين العلمية وإتقان تقنياتها وتخطيطها وتنظيمها في حالة إنتاج المعرفة أو استثمارها. ولذلك ركزنا في هذه المحاولة كل جهودنا علىمعالجة أهم ما ينقص الطالب وما يحتاجه من توظيف تقنيات المنهجية في تصميم كتابة بحوثه الأكاديمية, كمهارات معرفية وإكسابه خبرة متخصصة في الجانب التقني للمنهج العلمي وهو ما تخصصت به هذه المحاولة المتواضعة. حيث تناولنا فيها جملة من المواضيع هي مكونات المادة، فعالجناها بمنهجية منطقية وتصنيف علمي في مدخل وسبعة فصول محورية، ونوضح ذلك في ما يلي:عالجنا في المدخل مفاهيم المنهجية والمفاهيم المرتبطة بها وتوخينا في ذلك بحث العلاقة بين المفاهيم المركزية للمنهجية كما هي في المعاجم والقواميس المتخصصة.أما الفصل الأول فخصص لخطوات اختيار الموضوع وبناء المشكلة والاستفادة من الدراسات السابقة في ذلك.وفي الفصل الثاني توخينا فيه استيضاح طرق التحقق من صحة بناء الفروض واختيار المنهج المناسب للبحث مع توضيح سريع لأنواع المناهج وتصنيفاتها وكيفية اختيارها.وأما الفصل الثالث:فخصص للبعد البيبليوغرافي للمنهجية وما يتضمنه من الاستفادة من المصادر والمراجع، وكيفية الحصول عليها من المكتبات الجامعية وغيرها. حيث بحثنا فيه كيفية تحديد الطالب الباحث لمصادر ومراجع بحثه وطريقة استعمالها في كل أنواعها (الكتب، القواميس، والدوريات ودوائر المعارف مطبوعات محاضرات وغيرها) كما تناولنا في هذا الفصل كيفية استعمال المكتبة الالكترونية والاستفادة من المعلومات التي توفرها الانترنت، وذيلنا الفصل بتعليم الطالب الباحث لتقنية القراءة للمصادر والمراجع المجمعة واستيعاب الموضوع في كل أبعاده والإحاطة بكل ملابساته، وجمع ما أمكن من المعلومات والمعطيات تمهيدا لتخطيطها وتنظيمها وتصنيفها ثم تخزينها كمعرفة مجمعة ومقتبسة. ذلك تمهيدا لتوظيفها في الخطوة الموالية المتعلقة ببناء هيكل الموضوع بعد أن يجري عليها كل الفحوصات المنطقية من استقراء واستدلال واستنباط ومقارنة، لتصبح معرفة علمية منتجة.أما الفصل الرابع فخصصناه لبناء هيكل الموضوع وتقنيات توظيف المعلومات المقتبسة والمنقولة والمعبر عنها في المتن بما فيها قراءة الجداول والرسوم البيانية والصور... الخ ففي البداية تناولنا فيه كيفية تقسيم مواضيع البحث إلى عناوين رئيسة وتفريعاتها، بأمثلة توضيحية وركزنا في ذلك على ضرورة الحرص على التكامل بين الأقسام والأجزاء الفرعية وكيف يتسنى للطالب الباحث ذلك. ثم شرحنا تقنية الاقتباس وكيفية تخزين المعلومات وتخطيطها، ثم طريقة المعالجة العلمية للمعلومات وأساليب توظيفها في المتن، وانتهاء بتوضيح مختلف طرق التوثيق والإسناد والإشارة للمراجع في متن الرسالة وهوامشها السفلية من مختلف المصادر والمراجع الورقية والالكترونية والشواهد والروايات. وركزنا في هذا الجزء على الالتزام بقواعد الرسم الإملائي وعلامات الوقف بالتفصيل المطلوب وذلك بتوضيح معانيها ودلالاتها وضروراتها في اللغة العربية ودعمنا كل ذلك بأمثلة توضيحية. أما في الفصل الخامس المخصص لـ تصميم الدراسة الميدانية وتحضير أدوات قياس المتغيرات. حيث بينا فيه ما المقصود بالدراسة الميدانية وتقسيماتها وشروطها، وأوضحنا ما المقصود من القياس النفسي والاجتماعي وأدواته (العينة، المقابلة، الاستمارة، الإختبارات تقنية تحليل المحتوى، وتقنية السوسيومتري...الخ) وعالجنا كيفيات تطبيق الدراسة الإستطلاعية والوصول إلى التحقق من الخصائص السيكومترية وتطبيق الأدوات الأمبيريقية على العينات الأساسية والمعالجة الإحصائية لبياناتها في الدراسة الأساسية.أما الفصل السادس: فخصص لـ كيفية صياغة المعلومات وبيانات الدراسة الميدانية وتحرير مضامينها، حيث وصفنا فيه كيفية تحريرها بإجراءاتها وخطواتها. فبينا للطالب الباحث كيف يصوغ محتويات الدراسة الميدانية بلغة علمية أكاديمية بعيدا عن الصيغ الأدبية والإنشائية، كما أوضحنا له كيف يحرر ويصوغ المفاهيم الإجرائية ويصف عينة البحث وأدواته، وتوضيح كيفية تطبيق الدراسة الميدانية وحصوله على الدرجات الكمية الخام ووضعها في الملاحق، ثم عمدنا إلى توضيح كيف يصف الباحث المعالجة الإحصائية للمعلومات والدرجات الخام في ضوء فرضياته وتحليل نتائجه المتعلقة باختبار الفرضيات،ثم تحرير النتائج العامة وكيفية تفسيرها في ضوء الإطار النظري والابستمولوجي، وتلخيص مقترحات البحث واستراتيجيات الحل كمعرفة كلية منتجة .أما الفصل السابع فخصصناه لإعداد وتصميم تقرير البحث في صيغته النهائية، وتناولنا فيه مفهوم تقرير البحث وكيف يكون شكله العام الرسمي، كما يطرح في المجالس العلمية المختلفة، وذلك بتوضيح رسمه وهيكلته ولغته وتنظيم صفحاته وترتيبها، حيث بينا للطالب الباحث، كيفية صياغة العنوان النهائي للرسالة الجامعية الأكاديمية وكتابته على الغلاف (صفحة العرض) ولغة تحرير الفصول بعناوينها الرئيسية والفرعية، وكيفية تثبيت الحواشي السفلية ورسم الجداول والرسوم والأشكال التوضيحية والترتيب والترقيم، كما تطرقنا فيه إلى كيفية تنظيم قائمة المراجع والمصادر المكتبية والالكترونية التي استخدمها واستفاد منها في جمع المعلومات أو الشروح، كما بينا له كيفية وضع الملاحق وتثبيتها في رسالته، وذيلناه بنصائح إرشادية لكل من الطالب والمشرف والإدارة والمجالس العلمية تتمحور حول العمل من أجل تطوير البحث الجامعي. وجملة القول وكما هو واضح من محتويات هذه الفصول،فإننا ركزنا على الخطوات المنهجية والتقنية في صياغة التقارير العلمية وكتابة الرسائل الجامعية وإخراجها في صورتها النهائية، ولم نتطرق إلى الجوانب الابستمولوجية إلا بإشارات خفيفة بالقدر الذي تقتضيه الحاجة إلى ذلك, ونحن بصدد إعداد دراسة تغطي الجانب الإبستمولوجي النظري للمنهج العلمي على مستوى إشكالياته التنظيرية التجريدية المعمقة،كالموضوعية والذاتية والحقيقة والنسبية والتراكمية والقطيعة والنظرية والقانون العلمي إلى آخر ذلك من الثنائيات، وكذا المشكلات الابستمولوجية التي تتعلق باختبار الفروض وتصميم الأدوات الأمبيريقية والعينات وتفسير النتائج، وهي جوانب وأبعاد تنظيرية مكملة للجوانب التقنية ـ إن لم تكن هي أصولها ـ ونأمل عند تحقيق هذا التكامل أن نكون قد استوفينا جميع جوانب مادة المنهجية كمعرفة جامعية أكاديمية ميسرة, تؤهل الطالب الجامعي على الأقل لصيغة معيارية في إنتاج المعرفة كمثل عمل النحل، وفي الوقت نفسه تبعده كمعرفة مدمجة في تكوينه المعرفي ـ باستحداث قطيعة إبستمولوجية ـ عن كل أساليب عمل الديدان الجامع للمعرفة أو العناكب أو الذباب المتطفل على المائدة الآكل لما أنتجه غيره .. كما يقال. وعلى الله قصد السبيل.