شغلت الأسطورة حيزاً مهماً من حياة الشعوب، حتى أنها شكلت محور الحضارات في بعض المراحل لكونها إختزنت ألوان الفكر الإنساني المنتوعة وعبّرت عن هواجس المجتمعات وهمومها. إلا أنها مع الزمن لم تخفت أهميتها، بل إزدادا دخولها في عمق الذات الجماعية للقبض على كوامن الإبداع فيها، وعلى الأبعاد الفلسفية التي تحكم معها عبر التاريخ. لذلك كانت مح...
قراءة الكل
شغلت الأسطورة حيزاً مهماً من حياة الشعوب، حتى أنها شكلت محور الحضارات في بعض المراحل لكونها إختزنت ألوان الفكر الإنساني المنتوعة وعبّرت عن هواجس المجتمعات وهمومها. إلا أنها مع الزمن لم تخفت أهميتها، بل إزدادا دخولها في عمق الذات الجماعية للقبض على كوامن الإبداع فيها، وعلى الأبعاد الفلسفية التي تحكم معها عبر التاريخ. لذلك كانت محور إستقطاب للدراسين في تاريخ الشعوب وحضاراتها، لاسيما أنها أعطت صورة صادقة عن طرائق التفكير الإنساني وتناميه. لكن الملفت في هذا السياق أن حضور هذه الأسطورة كان مرتبطاً بالفن عموماً، والأدب منه خصوصاً، إذ يصعب وجودها خارجه. ولذلك كانت الأهمية القصوى لهذا الإرتباط الذي أفسح المجال للتعرف على التراث الكوني ككل، والقومي منه بشكل خاص، من أجل الفهم الواعي لنهج النفس المجتمعية في الأمة. وعندما نستوعب أن هذه الأساطير قدتنا قضايا وجودية كبرى هدفت من خلالها إلى توثيق الصلة بالعالم المحيط وإزالة ماقد يعتري الإنسان من خوف وقلق نتيجة المواجهة المريرة معها، نجد أن أهميتها تزداد، نظراً لكون تلك القضايا تواجه الإنسان وتبعث فيه مشاعر ممزوجة من الرعب والإستسلام. ولعل من أبرز هذه القضايا، قضية الموت ومظاهر الطبيعة القاسية، مع ما تعنيه من حاجة إلى فهم يحيط بها، تحت وطأة العقل الإنساني الذي كان وما يزال يتفتح. وهي، إلى ذلك، دفعت العقل إلى توليد نماذج من الأساطير المتناسبة مع البيئة التي يتعامل معها، وقد أدى ذلك بالتالي إلى دفع العقل المتفاعل مع بيئات شرق البحر الأبيض المتوسط، وبالأخص منطقة سورية الطبيعية، إلى إبداع ما عرف بالأسطورة التموزية والتي حملت مخاوف الحضارات فيها ومطامحهم، إضافة إلى طريقة تفكيرهم، إنطلاقاً من الثورة الحضارية الأولى التي تجلت في سومر. من هنا تأتي هذه الدراسة التي تتناول هذا الرمز، من ناحية الأسطورة ومفهومها بنحو عام، والتعرف إلى النوذج التموزي منها بشكل خاص، وصولاً إلى معاينة أشكال ظهورها في الأدب القومي الحديث، والغاية القومية من هذا الظهور. ضمن إطار حرص على أن يدرك القارئ وحدة تلك الحضارة وأهميتها بين قريناتها، ووعي بضرورة نشر المعرفة وإستيعاب مرامي الذات وإستعادة الثقة بها.