إن كان هذا الكتاب يندرج تحت الأدب الساخر فإنه من الصعب أيضاً نفي أنه بحث اجتماعي استغرق سنوات كثيرة من التدقيق والتمحيص في أحوال الشعب المصري، وكيف تغير؟ وكيف يعبر عن نفسه بعبارات علي السيارات أو جدران البيوت، وكل منا يلاحظ هذه العبارات.. قد تستوقفه وقد لا يعيرها اهتماماً، لكنها في النهاية تعبير واضح عن هذا الشعب الذي يكتب تاريخ...
قراءة الكل
إن كان هذا الكتاب يندرج تحت الأدب الساخر فإنه من الصعب أيضاً نفي أنه بحث اجتماعي استغرق سنوات كثيرة من التدقيق والتمحيص في أحوال الشعب المصري، وكيف تغير؟ وكيف يعبر عن نفسه بعبارات علي السيارات أو جدران البيوت، وكل منا يلاحظ هذه العبارات.. قد تستوقفه وقد لا يعيرها اهتماماً، لكنها في النهاية تعبير واضح عن هذا الشعب الذي يكتب تاريخه علي الجدران منذ آلاف السنين.ويبدأ الكاتب كمال سالم عوض أول فصول كتابه بعنوان "قبل ركوب التوك توك" والذي يقارن فيه بما كان يكتب علي العربات في الستينات وما يكتب الآن علي التكاتك والفرق المجتمعي بين الاخلاقيات التي كانت والبلطجة التي حلت، وتقول الكاتبة نوال مصطفي رئيس تحرير كتاب اليوم :" في هذا الكتاب "مكتوب علي جدران التوك توك" لم يتوقف مؤلفه الدكتور كمال سالم عوض عند حد أكل التفاحة، لكنه استغرق في التحليل ليخرج لنا بهذا البحث الاجتماعي الشائق عن الـ"توك توك" الذي دخل إلي مصر محمولاً وسط كل البضائع القادمة من جنوب شرق آسيا، ولم يلتفت أحد إليه سوي إلي حجمه الصغير واسمه الطريف".أما في الفصل الثاني بعنوان "البحث عن الراكب الرابع" وهي المشكلة الأساسية التي تواجه راكبي المقاعد الخلفية في المواصلات العامة لاكتمال النصاب الأساسي من الركاب حتي يأذن لهم السائق بالمضي إلي أعمالهم أو بيوتهم، وتضيف نوال مصطفي :" وأستغرق وقتاً طويلاً - شخصياً - في تأمل العبارات المكتوبة علي سيارات النقل والميكروباصات والتكاتك "جمع توك توك" وأحياناً علي العربات الفارهة، وأتساءل: لماذا يكتب سائق عربة نقل كبيرة علي العربة "عاشق المستحيل"، وماذا كان يقصد سائق الميكروباص عندما اختار ليزين عربته بجملة "الرجولة مالهاش قطع غيار"، وهذا الشاب العشريني بعربته الحديثة، ماذا كان يتوقع أن يكون وقع جملة "No woman no cry" التي تشوه زجاج سيارته علي السائقين و"السائقات" من حوله في الشارع، ولم أستطع أن أتوقف عن الضحك لساعات بعدما قرأت علي أحد التكاتك "ما تزعليش يا قطة بكرة تبقي تويوتا".أما في الفصل الثالث من الكتاب فيعقد الكاتب مقارنة بين الميكروباص والتوك توك في تفاصيل الكتابة علي جدرانه ،حيث يحلل الكاتب تحليل مقارن بين شخصية سائق الميكروباص من حيث العمر والقدرة المادية علي شراء العربة، والنظرة الدونية التي ينظرها سائق الميكروباص أو عربة النقل إلي الميكروباص، وأيضاً فالعبارات التي علي الاثنين بينهما بون شاسع من حيث الاهتمام فسائق الميكروباص ينحصر اهتمامه في الأسرة والاولاد وبالعكس غياب المرأة من الشعارات فلا نجد سائق يكتب اسم زوجته أو حبيبته لكنه يكتب اسم أولاده.أما محل الاهتمام الثاني هو الحسد الذي يوقن به السائقون خوفاً علي عرباتهم التي هي مصدر رزقهم، أما الهاجس الذي دائماً ما يشغل بال السائقين هو الهاجس الديني وهو نابع من الفطرة الدينية في نفوس المصريين، علي الرغم من عدم الالتزام الديني الواضح علي معظم سائقي الميكروباص إلا أنهم يحرصون علي تسجيل هذه العبارات الدينية علي عرباتهم.. كتاب "مكتوب علي جدران التوك توك" .. بحث اجتماعي ساخر يستحق القراءة مرات عديدة لأن الجهد الذي وراؤه والألمعية في النقل والتحليل والانتباه تؤكد أننا أمام موضوع جدير بالمتابعة والاهتمام ، ولأنه في الوقت ذاته ينتزع منا ضحكات علي حالنا وما وصلنا إليه.