شكل محمد بن إبراهيم القوامي، المشهور بصدر الدين الشيرازي، والملقب بملاّ صدرا علامة بارزة في تاريخ الفكر الفلسفي الإنساني، بما أنتجه في مجال المعرفة الإنسانية؛ إذ إستطاع من خلال منظومته الفلسفية أن يؤسس مدماكاً نوعياً، بل مدرسة معرفية في مجال "نظرية المعرفة"، جمع فيها العقل والشرع والذوق العرفاني، مشكلاً إنعطافه مفصلية في قراءة ك...
قراءة الكل
شكل محمد بن إبراهيم القوامي، المشهور بصدر الدين الشيرازي، والملقب بملاّ صدرا علامة بارزة في تاريخ الفكر الفلسفي الإنساني، بما أنتجه في مجال المعرفة الإنسانية؛ إذ إستطاع من خلال منظومته الفلسفية أن يؤسس مدماكاً نوعياً، بل مدرسة معرفية في مجال "نظرية المعرفة"، جمع فيها العقل والشرع والذوق العرفاني، مشكلاً إنعطافه مفصلية في قراءة كمٍّ لا يستهان به من الموضوعات والمسائل الفلسفية والدينية والعرفانية، وما يزال فكره ونتاجه الفلسفي والمعرفي يشكلان المحور الذي تدور حوله كثير من الأبحاث الفلسفية والعرفانية والمعرفية إلى هذا الوقت.وإلى هذا، فإن أهمية الشيرازي تكمن في الروح التأسيسية التي حكمت أبحاثه وآراءه، فقد امتاز بالجرأة ومخالفة المشهور، عاش ملا صدرا غريباً في عصر غلبت عليه النزعة الإخبارية التي كانت تقضي على ثورة العقل والإبداع في القرن الحادي عشر للهجرة (القرن السابع عشر للميلاد).فشكل نقطة الإرتكاز في التأسيس لنظرية تأويلية جديدة لمسائل الدين وأصوله: التوحيد، والنبوة، والمعاد، وما يتفرع عنها من أبحاث عميقة حول الولاية، ووحدة الوجود، ونظرية المعرفة، والحشر، والنشر، والقيامة، وغيرها من القضايا والمسائل وإن كان ابن عربي والسيد حيدر الأملي يشكلان الإنعطافة الكبرى في وضع الأسس النظرية للتصوف والعرفان العملي، فالشيرازي وضع نقطة التحول من العرفان الكلاسيكي التقليدي إلى العرفان الشامخ المتمثل "بالحكمة الإلهية المتعالية".من هنا، تأتي أهمية هذا البحث الذي يمثل دراسة لنظرية المعرفة عند ملاّ صدرا لكل لا يتجزأ، دراسة معمقة بالإستناد إلى النصوص الأساسية التي وضعها في كتبه ورسائله، وأكد عليها في أكثر من كتاب ورسالة، وإن كون الشيرازي من الشخصيات التي أثارت جدلاً كبيراً في الوسط العملي والفكري، هذا ما دعا الباحث إلى إجراء المقارنات الكثيرة بينه وبين المدارس والمذاهب الفلسفية والكلامية التي أساءت فهم مقاصده كما حصل في مسألة وحدة الوجود، وكما وضعه الصوفيون هدفاً يصوبون نحوه، ويتهمونه بالزندقة والهرطقة نظراً إلى إهتمامه بالجانب العقلي للتصوف والعرفان.كما دعا سياق البحث الباحث إلى إجراء المقارنات الفكرية والمعرفية مع فلاسفة الغرب العقليين، والتجريبيين، من هنا يمكن معرفة الهدف من وراء هذا البحث والذي يمكن فيما يلي: أولاً إحياء التراث المنسي حيث تعدّ دراسة الموروث الفلسفي والعرفاني لصدر الدين الشيرازي رصداً لجزء أساسي من تشكل الوعي العربي والإسلامي في سياقه التاريخي الذي لم ينل حقه من البحث والتنقيب بفعل بعض العوامل التاريخية والإستشراقية، ثانياً الربط بين إرث الشيرازي والفكر الفلسفي المعاصر حيث تظهر دراسة نظرية المعرفة عند الشيرازي ومقارنتها مع نظيراتها المعاصرة مدى إتساع العقل الإسلامي في حلّ بعض المآزق المعرفية التي عاشها الفكر الغربي المعاصر ومنها: المعارق القبلية، تقسيم العلم إلى التصور والتصديق، أصالة الحسّ والعقل، ملاك الصدق في القضايا، كاشفية المعرفة عن الواقع الموضوعي، وهي مسائل تم طرحها في سياق البحث، ثالثاً إبراز أهمية العقل في فكر الشيرازي، رابعاً تصويب بعض الأفكار، فصدر الدين الشيرازي يؤكد أن كل العالم الطبيعي وحتى العالمين المثالي والعقلي هي في حركة صيرورة مستمر.ومن ناحية ثانية، فقد عالج بعض الكتاب الحركة الجوهرية بإعتبارها مماثلة لنظرية النشوء والإرتقاء عند تشارك داروين، وهي كما رأى الباحث مع قراءة غير موفقة نظر للإختلاف الرؤيوي بين النظرتيين، الموضوع الذي تمت معالجته بالتفصيل، خامساً إبراز الأفكار الإبداعية غير المسبوقة برز الشيرازي ومع مطلع القرن الحادي عشر للهجرة/ القرن السابع عشر للميلاد كعلم من أعلام الفكر الفلسفي العرفاني، كما برزت الكثير من الموضوعات المغايرة تماماً للإتجاه السينوي العام، خصوصاً على مستوى نظرية المعرف، وهذا تم عرضه في سياق هذا البحث.