في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والفضاء، والهندسة الجينية، والاستنساخ الحيوي؛ تحظى برامج تدريس العلوم -عربيا وعالميا- بعناية خاصة واهتمام متزايد نحو مواكبة متطلبات القرن الحادي والعشرين وتحدياته. ومما لا شك فيه أن العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والمهنية التي تعاني منها العديد من الدول العربية ترتبط بصورة مباشرة...
قراءة الكل
في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والفضاء، والهندسة الجينية، والاستنساخ الحيوي؛ تحظى برامج تدريس العلوم -عربيا وعالميا- بعناية خاصة واهتمام متزايد نحو مواكبة متطلبات القرن الحادي والعشرين وتحدياته. ومما لا شك فيه أن العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والمهنية التي تعاني منها العديد من الدول العربية ترتبط بصورة مباشرة بتدني مخرجات تدريس العلوم, والمتمثل في ضعف المهارات العلمية والعملية لدى المتعلمين، وفي مساهمتهم المحدودة في الإنتاج والعمل، وفي تناقص اهتماماتهم وميولهم العلمية، وفي سلوكياتهم الاستهلاكية واتجاهاتهم السلبية نحو البيئية ومواردها.إن الهدف الرئيس لتدريس العلوم في جميع مراحل التعليم هو إيجاد مواطن مثقف علمياً وعلى درجة عالية من الكفاءة والأداء، ولا يتم ذلك إلاّ إذا اعتبر تدريس العلوم عملية فعّاله، وأن تعلم العلوم هو شيء يقوم به المتعلمين وليس شيئاً يعمل لهم، وعلى الرغم من أهمية الأنشطة اليدوية إلا أنها غير كافية بل يجب على المتعلمين امتلاك الخبرات العقلية المناسبة وعلى المعلم والمتعلم أن ينظر إلى العلم بأنه أكثر من كونه عمليات إذ يتعلم المتعلم عن طريق الملاحظة والاستدلال، بل أيضاً ضرورة اعتماد الاستقصاء العلمي محوراً أساسياً لتعليم العلوم .إنّ تعليم العلوم ليس جهداً فردياً يقوم به المعلم، بل تنسيق جهود جميع العاملين في حقل التربية من معلمين ومدراء ومطوري مناهج وبرامج علوم فعّالة بالاشتراك مع الفعاليات الشعبية والشركات والمؤسسات الوطنية، وذلك لإعداد مناهج وبرامج علوم كافية للوصول بالطلبة إلى الهدف المنشود، وضمان استمرار الحوار بين جميع العاملين في ميدان تدريس العلوم, لتحقيق المجتمع الأمثل وإعداد مواطن صالح قادر على العيش في الألفية الثالثة بأمان واستقرار.لقد عاد مفهوم التربية يطرح نفسه من جديد كشاغل أساسي لعلماء التربية، وعلماء النفس، وعلماء الاجتماع. كما بات في حكم المؤكد أننا-كتربويين- بحاجة إلى مراجعة شاملة ودقيقة للأسس والفلسفات التربوية التي نجحت لعقود طويلة في ظروف مختلفة عن هذا العصر الذي تعاظمت فيه التحديات التي باتت تفرض نفسها على الساحة التربوية والتي نجمت في أعلبها عن التطور في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى تفاقم مشكلات البيئة والسكان والتنمية التي أدت إلى حدوث اختلالات في التوازنات البيئية وفي العلاقات الدولية وعلاقة الإنسان بالإنسان.لذا، يسعى هذا الكتاب - كهدف عام - إلى تقديم تصور جديد لمواجهة الاشكالية التي تواجه تدريس العلوم في عصرنا الحاضر، الذي أصبح فيه العالم –بما فيه من مادة وطاقة ومعلومات- على رؤوس أصابع أطفالنا، وأصبح الأطفال يتمتعون بقدرات هائلة ومهارات للتكيف السريع مع تغيرات المجتمع التي لم يتوفر مثلها للأجيال التي سبقته. فالطفل اليوم يعيش في مجتمع بدأت تتغير فيه الثوابت دون ضوابط، فتغيرت العلاقة بين الصغير والكبير؛ وبين الرجل والمرأة؛ وبين الفرد وأسرته؛ وبين الأسرة والمجتمع. فهذا الجهد هو محاولة لوضع منهجية للتعامل مع هذه الإشكاليات في مجال تعليم الأطفال بصورة عامة؛ وفي مجال تدريس العلوم بصورة خاصة. وهذه المنهجية تتمثل في محاولة الإجابة عن السؤالين الآتيين: ما هي المفاهيم العلمية التي يجب أن يتعلمها الطفل في هذه المرحلة من تاريخ البشرية؟ وكيف نعلمه هذه المفاهيم؟ وتتمثل الإجابة عن هذين السؤالين، بتقديم تصور شامل لمواصفات برامج تدريس العلوم التي توجه للطفل-كعَاِلمٍ صغير، عن طريق قراءة جديدة لنظريات التعلم وأسسها الفلسفية في ضوء معطيات العصر.الطفل بحاجة إلى ثقافة علمية لا تجعله يشعر بأنه مجتثا من فوق الأرض أمام هذا التطور العلمي والتكنولوجي، ولا منعزلا عن واقعه؛ وإنما تجعله قادرا على العيش بثقة واقتدار في عالم مواصفاته لا زالت في طور التشكل وملامحه لم تتحدد بعد.الطفل بحاجة إلى برامج لتدريس العلوم تتيح له الفرصة لأن يكتشف بنفسه المعارف العلمية التي توصل إليها البشر عبر مئات السنين.الطفل بحاجة إلى معلم يذكره بالقيم والمثل العليا التي ولد وهو يحملها، ولكنه نسيها في زحمة الحياة، ليصبح وكأنه يعيش في مدينه أفلاطون.الطفل بحاجة إلى خبرات تعلمية تدور حوله تلبي رغباته؛ ليكون ذلك الشخص النبيل الذي طالما حلم به جان جاك روسو.الطفل بحاجة إلى أن يتعلم عن طريق العمل والتجربة، ليكون ذلك الشخص الواقعي-وليد براجماتية جون ديوي- الذي سوف يشغل موقع العمل المناسب في مجتمع اقتصاد المعرفة بكفاءة واقتدار.الطفل بحاجة إلى معلم لا ينقل إليه المعلومات والأفكار والمعتقدات جاهزة كما يراها المعلم، وإنما بحاجة إلى معلم يثير دافعتيه للتعلم، كما يرى ذلك إمام الوجوديون جان بول سارتر.الطفل بحاجة إلى معلم يبين له مدى ارتباط العلم بالدين، وأن العلم يقرب الإنسان من الله -سبحانه وتعالى، وينمي في الإنسان ثقته بنفسه وفهمه للكون والحياة.الطفل بحاجة إلى معلم يأخذ بيده كي يتسلق صرح العلم، فيقف على أكتاف العلماء الذين سبقوه فيكتشف مروجا جديدة يقود أمته إليها، لتستعيد مجدها، وتسطع شمسها من جديد على البشرية جمعاء. فيكون نموذجا للإنسان الذي سيباهي به محمد صلى الله عليه وسلم بين الأمم يوم القيامة.الطفل بحاجة إلى معلم العلوم الإنسان في عصر الحتميات التكنولوجية الجارفة، عصر الإنسان أم الروبوت، أم روبتة الإنسان، أم أنسنة الروبوت؟... بحاجة إلى المعلم الذي يعتبر قدوة بتفكيره العلمي، وقدوة اجتماعية، وقدوة نفسية، فضلا عن كونه قدوة تربوية.