العولمة، تلك الظاهرة القديمة الجديدة، التي شغلت المفكرين والعلماء ورجال السياسة ولا تزال منفلتة المنطلقات والأبعاد بحيث يصعب الإلمام بجوانبها كافة، حيث عرفت نهاية العقد الأخير من القرن العشرين ولأسباب متعددة عناية خاصة بالمفهوم والأبعاد المختلفة للعولمة بالصورة التي تعبر عن مدى اتساع مواكبة المفكرين للقضايا المصيرية، فمن المؤكد ...
قراءة الكل
العولمة، تلك الظاهرة القديمة الجديدة، التي شغلت المفكرين والعلماء ورجال السياسة ولا تزال منفلتة المنطلقات والأبعاد بحيث يصعب الإلمام بجوانبها كافة، حيث عرفت نهاية العقد الأخير من القرن العشرين ولأسباب متعددة عناية خاصة بالمفهوم والأبعاد المختلفة للعولمة بالصورة التي تعبر عن مدى اتساع مواكبة المفكرين للقضايا المصيرية، فمن المؤكد أن كل حديث عن مصير العالم ومستقبله يخصّ كل الأمم والشعوب بغض النظر عن درجات قوتها أو ضعفها أو سلم الترتيب العالمي. والإشكالية التي يحاول الباحث طرحها في هذا الكتاب هي هل العولمة ظاهرة جديدة مستحدثة في هذه السنوات أو أنها لفظ جديد للتعبير عن واقع قديم كان ملازماً لجميع الحضارات الكبرى والإمبراطوريات العظمى التي استخدمت قوتها (خلال عصور التاريخ) لبسط نفوذها ومبادئها وتحقيق مصالحها؟ فهل كان امتداد السيطرة الرومانية (مثلاً) على العالم المعروف في زمانها، ونشر أنظمتها في الحكم وأنماط حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية نوعاً من العولمة؟ وماذا نسمى ما رسخته من بريطانيا في الأقطار التي احتلتها والتي كانت لا تغيب عنها الشمس؟ وهل تتناقض العولمة مع الديمقراطية ومع التعددية الثقافية والتنوع الحضاري؟ وإذا كانت تتناقض مع كل ذلك بحكم محاولتها السيطرة والسيادة والانفراد، فما هو موقف الدولة العظمى التي طالما دعت إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفرضت على الدول التي تنتقص منها أنواعاً من العقوبات مثل الحصار والمقاطعة؟ هل العولمة تنتهي حقاً بالتفاهم الدولي والسلام العالمي والتقارب بين الشعوب، أو أنها لا بد ستثير مقاومة تلك الشعوب دفاعا عن هويتها ومقومات شخصيتها، وبذلك تكون العولمة قد نثرت بذور الحروب وأنواع الصراع بدل أن تنشر السلام؟ وتكمن أهمية هذه الدراسة في أن من بين الدول التي تعرضت لهذه الظاهرة هي دول إسلامية بشكل خاص ودول نامية بشكل عام، أما الأهمية الأخرى فهي تكمن في تزويد المكتبة العربية بدراسة قد توضح أموراً كانت غامضة، ولذا فإن طبيعة ونوع هذه الدراسة، استدعت من الباحث استخدام عدة مناهج، وفي مقدمتها المنهج التاريخي الذي يسعى إلى تفسير الظاهرة في وجودها الواقعي واتجاهاتها وأصولها وتطوراتها المتوقعة. كما استخدم الباحث المنهج التحليلي الذي ساعده على الوصول إلى المعرفة الكلية لهذه الظاهرة، وساعده أيضاً على تفسير المواقف من أي حدث يتعلق بالتقاليد والعادات والأعراف أو يمس حضارة وهوية أي دولة. وأيضاً استعان بمنهج دراسة الحالة الذي يعتبر من المناهج المهمة في مجال العلوم السياسية. ومع تطبيقه لهذه المناهج اعتمد على مصادر على درجتين من الأهمية: المصادر الرئيسية وتتمثل بكل ما يتعلق بالموضوع من قوانين ومراسيم سواء كانت دولية أو وطنية، والمصادر الثانوية فتتمثل في الكتب ومختلف المجلات والدوريات العلمية والصحف والجرائد.