يفتح هذا الكتاب آفاقاً جديدة في مجال الدراسات الثقافية والحضارات المقارنة حيث لم يقتصر تناول المؤلف لنشأة وتطور المصارعة الرومانية القديمة على المنظور التاريخي المعتاد بل سعى إلى دمج التاريخ مع النظريات السياسية والدراسات السيكولوجية وعلم الاجتماع لنظريات الصراع والعنف، من أجل رصد العديد من المقاربات الفكرية و الفلسفية ذات الصلة...
قراءة الكل
يفتح هذا الكتاب آفاقاً جديدة في مجال الدراسات الثقافية والحضارات المقارنة حيث لم يقتصر تناول المؤلف لنشأة وتطور المصارعة الرومانية القديمة على المنظور التاريخي المعتاد بل سعى إلى دمج التاريخ مع النظريات السياسية والدراسات السيكولوجية وعلم الاجتماع لنظريات الصراع والعنف، من أجل رصد العديد من المقاربات الفكرية و الفلسفية ذات الصلة، و في منهجية سلسلة وأسلوب متفرد تجاوز اللغة الأكاديمية الجافة إلى لغة إبداعية أكثر خلقاً وابتكاراً. يغوص بنا مؤلف هذا الكتاب في أحشاء الثقافات و الأديان و الأساطير القديمة ليرصد عن كثب تاريخ المصارعة الرومانية القديمة بكل ما فيها من و سائل ترفيهية بربرية و طقوس دموية متوحشة تحلل ذبح البشر وتقديمهم قرابين في ساحات المسارح الممتدة عبر الأقاليم الشرقية والغربية للإمبراطورية الرومانية . في ذلك العهد كانت تطلق الضواري على المصارعين القدماء - مثل سبارتاكوس و رفاقه من العبيد وأسرى الحرب والسجناء والمجرمين أو من الغرباء الذين هانت دماؤهم على حكام روما- لتنهش أجسادهم على مرأى من الجماهير المتعطشة لإشباع غرائز العنف والتوحش، إبان الاحتفالات بانتصارات روما وتخليداً لذكرى المحاربين الرومان الذين لقوا حتفهم في المعارك مع الأعداء . ويصور المؤلف عروض الإعدام الجماعية العلنية وشلالات الدماء المسفوكة التي تلطخت بها حلبات و جدران المسارح الرومانية منذ الأزل وحتى إغلاقها في أواسط القرن الخامس الميلادي ويرى أنها تجسد أبشع وأشنع وسائل التعبير عن الطغيان والجبروت والقوة التي كان الأباطرة الرومان مولعين بها، فقد انساق الأباطرة من أمثال قيصر و نيرون و تيتوس و كومودوس وكلوديوس وغيرهم وراء غرائز العنف ، وأنفقوا الملايين على عروض المصارعة و أفرغوا غابات إفريقيا من الحيوانات البرية التي جيء بها لتذبح في ساحات الموت بهدف إلهاء شعوبهم والترفيه عنهم، كما شق هؤلاء الأباطرة القنوات البحرية داخل تخوم روما لإقامة العروض القتالية التي تحاكي الغزوات الرومانية البحرية لشواطئ وبلدان الدول المجاورة. ويمضى المؤلف في استعراض نشأة ألعاب المصارعة وتطورها والجذور الاجتماعية للمصارعين وعلاقاتهم بالمجتمع عامة وبالنساء خاصة، كما تناول المصارعة النسائية و الأسباب السياسية والاجتماعية وراء بناء المدرجات والمسارح الرومانية، بالإضافة إلى دراسة الآثار والمخطوطات والجداريات التي تخلد تاريخ المصارعة في شتى العصور، كما عرج المؤلف على اقتصاديات المصارعة ومصادر الأموال الباهظة التي أنفقت طوال التاريخ الروماني على إقامة عروض الموت إلى أن انهارت دعائم الاقتصاد الروماني بسبب البذخ وسوء التخطيط و تفشي الأوبئة والمجاعات وتعرض البلاد لغزوات البرابرة والقبائل القوطية والوندالية المتوحشة التي نهبت آثار روما ومسارحها بما في ذلك مبنى " الكولوسيوم " أشهر المدرجات الرومانية القديمة .