ما ذكر اسمه يوماً إلا وكان مرادفاً للخدمات الاجتماعية وللثقافة العالية وللوطنية المنعتقة من أي تسييس أو تحزب. عارف النكدي، المصلح الاجتماعي والخطيب الثائر، ابن جبل لبنان البار، اختصر في حياته سيرة جيل مخضرم من الدروز، جيل جمع في نضاله، وبتناغم تام، بين الخاصية الدرزية والشمولية العربية فأعطى البعدين حقهما في حياته، وبأفضل أشكال ...
قراءة الكل
ما ذكر اسمه يوماً إلا وكان مرادفاً للخدمات الاجتماعية وللثقافة العالية وللوطنية المنعتقة من أي تسييس أو تحزب. عارف النكدي، المصلح الاجتماعي والخطيب الثائر، ابن جبل لبنان البار، اختصر في حياته سيرة جيل مخضرم من الدروز، جيل جمع في نضاله، وبتناغم تام، بين الخاصية الدرزية والشمولية العربية فأعطى البعدين حقهما في حياته، وبأفضل أشكال العطاء الممكنة.عارف النكدي العربي لعب دوراً مهماً في الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش ودفع ثمن نضاله مئات الأيامن من الأسر أمضاها في ظلمات سجون الانتداب الفرنسي في تدمر ثم راشيا ثم المية ومية.وعارف الكندي الدرزي حمل على كتفيه عبئاً مزدوجاً: مسؤولية مهامه العامة في سورية -حيث عمل قاضياً ومحافظاً ثم مديراً للأمن العام السوري عام 1949- وتحديات الاستحقاقات الاجتماعية في لبنان بعج أن عين "متولياً لأوقاف الدروز" عام 1930، فنجح في تحقيق هدفيه العامين مضحياً بحياته الخاصة التي عاشها في أواخر أيامه في مسقط رأسه في عبيه أقرب إلى الجندي المجهول منه إلى المربي والمصلح الاجتماعي.إبان توليه شؤون الأوقاف الدرزية، أولى عارف النكدي الأيتام من أبناء طائفته أولوية اهتماماته فحول مسؤولية رعايتهم وتنشئتهم والسهر على مستقبلهم إلى مؤسسة فاعلة وناشطة باتت تعرف باسم "بيت اليتيم الدرزي".وإبان توليه الأوقاف أيضاً عمل على تحديث بيت اليتيم وتوسيعه بحيث أصبح يتسع أكثر من ألفي نزيل ونظم إدارة الأوقاف الدرزية بدءاً بلم شملها وتوحيدها وانتهاءً بضبط موازنتها بحيث اتسعت قاعدتها وازدادت مداخيلها.وفي هذا السياق قد يكون من أبرز انجازاته خلال توليه الأوقاف تحديث أول مدرسة بنيت للدروز في العهد العثماني، المدرسة الداودية، والتي كانت تابعة للأوقاف الداودية فضاعف المساحة المبنية من المدرسة والتي لم تكن تتجاوز، آنذاك، 1300 متراً مربعأً، واستكمل تطويرها فحولها إلى مدرسة ثانوية أطلق عليها اسم "الكلية الداودية" التي احتضنت، إلى جانب اللبنانيين، طلاباً من السعةدية وسورية ومصر وفلسطين فخرجت، بفضل التعاون مع الأزهر والرئيس المصري جمال عبد الناصر، في الخمسينات، أجيالاً من المثقفين والمتنوين. وقد ظلت الكلية الداودية مثابرة على رسالتها الثقافية في عبيه لغاية العام 1978، عام إغلاق أبوابها في ظل استفحال حرب الجبل.وإضافة إلى "الكلية الداودية" أسس عارف النكدي المدرسة المعنية في بيروت التي ساهمت، بدورها في نشر التعليم الابتدائي والثانوي. في لبنان رعيل من المجلين الدروز يفتقدهم وطنهم كما تفتقدهم طائفتهم على ساحتي البذل والعطاء. ومؤسسة التراث الدرزي تلقي الضوء في هذا الكتاب على واحد منهم.