إن الشريعة الإسلامية هي الشريعة الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان، وهي الشريعة الكاملة التي نظَّمت بأحكامها جميع جوانب حياة الناس، وأرشدتهم إلى أقوم السُّبُل لصلاح دينهم ودنياهم.وإن من أهم مجالات التشريع الجانب الذي يكفل للناس حقوقهم، ويضمن تحقيق العدل حال التظالم والعدوان بين الناس، وهي الأحكام التي تنظم القضاء وسلطته، لأن ما يدور...
قراءة الكل
إن الشريعة الإسلامية هي الشريعة الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان، وهي الشريعة الكاملة التي نظَّمت بأحكامها جميع جوانب حياة الناس، وأرشدتهم إلى أقوم السُّبُل لصلاح دينهم ودنياهم.وإن من أهم مجالات التشريع الجانب الذي يكفل للناس حقوقهم، ويضمن تحقيق العدل حال التظالم والعدوان بين الناس، وهي الأحكام التي تنظم القضاء وسلطته، لأن ما يدور بين الناس من المعاملات، وما يقع من الحوادث، وما يترتب من الحقوق كل ذلك عرضة لجحد من عليه الحق، وعرضة للظلم والاعتداء، وإن القضاء إنما يعتمد في سعيه لتحقيق العدل وإيصال الحقوق لأصحابها على وسائل الإثبات التي تظهر صاحب الحق وتميزه من الظالم المعتدي، ولذلك فقد اهتم الفقهاء بدراسة وسائل الإثبات التي جاء بها التشريع الإلهي، ووضعوا ـ على ضوء النصوص الشرعية ومبادئها العامة، ومقاصد التشريع الإسلامي ـ ضوابطَ وقواعد للإثبات بتلك الوسائل.وإن الشهادة هي من أهم وسائل الإثبات؛ نظراً لتيسرها لأغلب الناس وفي أغلب الظروف والحالات، فهي لا تتطلب إجراءات شكلية معقدة قد تخفى على عامة الناس، كما أنها الحجة المتاحة في الوقائع المادية مثل جرائم الاعتداء على الأنفس والأموال، ولذلك فقـد اهتم فقهاء الشريعة الإسلامية قديماً وحديثاً بهذه الوسيلة، واستنبطوا من النصوص الشرعية أحكامها وشروطها.ولذلك فإن ما يثار حول بعض الأحكام المتعلقة بالشهادة في الفقه الإسلامي، وخاصة شهادة المرأة وشروطها إنما يعود سببه إلى النظر في جزئيات الأحكام في مباحث الشهادة، دون الإحاطة بالنظام المتكامل في الإثبات بها، الذي يحقق كلاً من: يسر المعاملات المدنية، والاحتياط للعدل، وحفظ الدماء من الهدر، ودرء العقوبة التي ليس مـن هدف المُشَرِّعِ إيقاعها بكل مـن غلبته نفسه علـى شيء من أسبابها، فهو نظام متكامل لا يحسن بالباحث المنصف أن يقتطع شيئاً من أحكامه ثم يشرِّحه بالبحث والنقـد بمعزل عن ارتباطه بالقواعـد العامة للإثبـات والنظرية المتكاملة في ذلك.وبحثي هذا يتناول جانباً من أحكام الشهادة وهو: الجانب المتعلق بصفات الشهود، ومراتـب الشهادة، التي تختلف باختلاف الحقوق المشهود فيها خطورة وسهولة، وما تتطلب المصلحة تيسيره، أو ما تدعو المصلحة إلى الاحتياط في إثباته.ويختص بحثـي مـن ذلك بشهادة المـرأة فـي الفقه الإسلامي، أحكامهـا، ومجالات قبولها، والنصاب المشترط في كل ذلك، والحجية؛ أي: الأثر والإلزام المترتب على قبولها، وكل ذلك ليس بنظرة جزئية وإنما مع ملاحظة أحكام الإثبات عامة ومقاصد المشرع فـي ذلك