إنني أرسم ما أعرف يا سيدتي، قال لها، محاولاً أن يكون حديثه معها قصيراً، وفي صلب الموضوع تماماً. ولكن ثمة خطأ وقع. إذ بينما هو يتحدث ويشرح، ويضرب أمثلة هنا وهناك لم يتنبه إلى يده التي اقتربت أكثر فأكثر من يدها إلى أن احتكت بها على صورة الباب الذي لم يطلبه أحد. مست جسمها قشعريرة احتكاك اليد باليد، وشعرت بها تتكثف لوهلة في ما بين ا...
قراءة الكل
إنني أرسم ما أعرف يا سيدتي، قال لها، محاولاً أن يكون حديثه معها قصيراً، وفي صلب الموضوع تماماً. ولكن ثمة خطأ وقع. إذ بينما هو يتحدث ويشرح، ويضرب أمثلة هنا وهناك لم يتنبه إلى يده التي اقتربت أكثر فأكثر من يدها إلى أن احتكت بها على صورة الباب الذي لم يطلبه أحد. مست جسمها قشعريرة احتكاك اليد باليد، وشعرت بها تتكثف لوهلة في ما بين الكتفين، ثم زحفت على شكل موجة دافئة إلى قذالها فخيل إليها أنه قال كلاماً لم تسمعه جيداً. أما هو، فأبعد يده بارتباك عن محيط الصورة، ونظر إلى سائقها الذي كان يقف على بعد خطوات منهما، ثم انتقل خطوة واحدة إلى الوراء، مفسحاً لها المجال في التصرف أو الذهاب.عج المكان برائحة صدأ الحديد، وامتقع لون الضوء الساقط من فتحات الورشة العلوية على الألبوم. وفيما هي تحاول تدقيق النظر في صورة الباب كعميل جاد يبحث عن باب يناسب ذوقه، تظاهرت ببرود الصفائح الحديدية المنتشرة حولها، وأبدت رأيها في الباب: هذا الباب ينقصه شيء، لكني لا أدري ما هو؟ جاءها صوته متزامناً مع صوت إحدى جلاخات الحديد التي اشتغلت في الجهة الأخرى من الورشة: هذا الباب صنعته منذ زمن طويل، وما هو منذ ذلك الوقت ينتظر صاحبه. أثارت عبارته الأخيرة فضولها: صاحبه؟!! هل هو من هنا؟ في الواقع، هو كذلك, ولماذا تأخر في استلامه؟ لعل الوقت لم يحن بعد. ولكنه راق لي وارغب في أن تصنع لي مثله. هذه هي القضية يا سيدتي. الأبواب مثل الناس كما أخبرتك، والباب الذي أصممه لعميل لا أصنع مثله لعميل آخر. مرة أخرى، تأملت الباب محاولة فهم انجذابها القوي إليه، بالرغم من واجهته الجرداء التي توحي بالفراغ، ولولا ذلك الشكل الفني الذي يستقر أسفله، لما وجدت عذراً في عدم وصف ذوقها بالرداءة. لم تشعر قبل رؤيتها إياه أنها أكثر انجذاباً إلى شيء كما شعرت تجاهه، وما زادها حيرة أن رغبتها في امتلاكه تتفاقم كلما تذكرت أن كثيرين رأوه وتركوه في مكانه. ثم ذلك الشخص الذي يقول المعلم إنه لم يأت إلى الآن لأخذه، لماذا تأخر كل هذه المدة؟ ومن يكون؟ وكيف اتفق أن طابقت رغبتها رغبته في امتلاكه؟ ألم يقل المعلم إن لكل واحد بابه الذي ينتظره؟!