آخر يوم في الجنة

قصة "آدم وحواء فى الجنة" راودت من قبل خيال الكاتب الأمريكي الفكه "مارك توين" فكتب ما سماه "مذكرات آدم وحواء في الجنة" ولكنه أجرى الحوار فى هذه القصة, أو في هذه المذكرات بما شاءت له روحه الفكهة, وسخريته اللاذعة من تصرفات الرجل وعواطف المرأة. وجاء الأديب "المازني" فعوّل على أن يصنع فى هذا شيئا على نسق "مارك توين", وكل منهما ساخر لاذع, وغايتهما إثارة القارئ للضحك, أما علي أمين فصنع شيئا غير هذا كله, إنه نظر إلى قصة آدم وحواء على أنها قصة الرجل والمرأة في الحياة منذ كانت هذه الحياة على الأرض, وعلى مدى التاريخ والعصور, وفي هذا العصر, وكل عصر, وقصة آدم وحواء, أو قصة الرجل والمرأة هى قصة البيت والأولاد والأسرة والمجتمع والناس, وكل ما عند آدم وحواء يفسر لك كل ما فى المجتمع وما عند الناس, وما زالت النفس البشرية أساس المعرفة في الأدب والفن والدين. الحوار هو أروع ما تتجلى فيه موهبة "علي أمين" الفنية, فهو يؤثر الحوار القصير المركز, والقدرة على الحوار القصير المركز غاية لا تتوافر إلا لأصحاب المواهب العبقرية فى الفن, وهو فى حواره يجري متجاوبًا مع طبيعة الحياة والناس, وكأن أشخاص الحوار يملون عليه ما يكتب, وهو يبدي رأيه من خلال الحوار, ولكنك لا تشعر أبدا أنه متحيز لآدم, أو إلى حواء, وإنما الرأى بينهما يدور على التفاهم, ومن خلال هذا التفاهم تظهر الحقيقة فى مجرى الأحداث. إن قصة آدم وحواء, هى قصة كل آدم وحواء, يتحاوران ويتفاهمان ويواجهان الحقائق من خلال هذا الحوار والتفاهم, لم يحاول "علي أمين" أن يفرض شخصيته, أو أن يملي رأيه عليهما. وتلك ميزة الفنان الأصيل, وهذا هو الفرق الكبير بين ما يكتبه الكاتب فى مقالة, وما يصنعه الفنان فى قصة. إن قصة آدم وحواء كما كتبها "علي أمين" هى قصة المرأة والرجل, قصة الحياة والناس, لن تقرأها مرة واحدة, ولكنك ستعاود قراءتها مرات, وفى كل مرة تعطيك جديدا من الفكر, وتثير فيك جديدا من الفكر, إنها عمل فني كبير, كتبها "علي أمين" فى أخريات حياته, ولكنها عاشت فى ذهنه وفكره طول الحياة, فجاءت عملا فنيًا رائعًا خالدًا خلود الحياة. محمد فهمى عبد اللطيف