تلتقي هذه المقالات المكتوبة في سياقات خارجية مختلفة في أفق مشترك في رؤيتها للإنسان والثقافة... فالثقافة في رؤيتها ليست كماً من الأشياء المحايدة التي لا فعل لها، بل هي مجموعة من الأعراف والتقاليد والقيم والقوانين والمعلومات التي تبرمج سلوك الإنسان، وتحدد طريقة تفكيره، ومعايير أحكامه، وترسم زاوية رؤيته إلى الحياة وفق قوانينها. أي ...
قراءة الكل
تلتقي هذه المقالات المكتوبة في سياقات خارجية مختلفة في أفق مشترك في رؤيتها للإنسان والثقافة... فالثقافة في رؤيتها ليست كماً من الأشياء المحايدة التي لا فعل لها، بل هي مجموعة من الأعراف والتقاليد والقيم والقوانين والمعلومات التي تبرمج سلوك الإنسان، وتحدد طريقة تفكيره، ومعايير أحكامه، وترسم زاوية رؤيته إلى الحياة وفق قوانينها. أي أنها مؤسسة تدبر الإنسان وتربيه وفق آليات معناها.والإنسان ليس جوهراً تمنحه الطبيعة معناها الأبدي المستقر، يل هو ذات يتحدد معناها بعلاقتها بموضوعات العالم ووقائعه، أي علاقتها بالإله والوجود واللغة والبشر والجماعات والتاريخ والأحداث المتغيرة، وكلما تغيرت هذه العلاقة تغيرت هذه الذات وتغير عالمها. والثقافة بما هي مؤسسة تدبر الإنسان، وتحدد علاقاته، وتبرمج ذاته، فإنها تهيمن عليه بصياغة تمثلاته الرمزية للعالم، وما يحدث فيه من تحولات وتغيرات، وبذلك تمنحه معناها.إلا أن ذلك لا يعني أن الإنسان ذات لا قدرة لها على الفعل، بل الذات تملك بما هي جهد وعمل القدرة على المواجهة والرفض، لكنها لا تستطيع أن تتمثل هذه القدرة في سلوكها العملي إلا حين تبذل جهداً مضاعفاً وعملاً مضنياً، لكشف الحيل الرمزية التي تحتال عن طريقها الثقافة على وعيها. الثقافة بأفعالها هذه... البرمجة والهيمنة والصيانة، تربي الإنسان وفق إرادتها لا وفق اكتشافاته وكم كان نيتشه حاذقاً حين أعلن أن الثقافة والتربية خدعة فهما، إجبار ومخاتلة، في هذا الكتاب جهد وعمل لكشف هذه الحيل والمخاتلات ذات التحبيكات المبرمجة والصيغ المواربة...