تكاد وسائل الإعلام والاتصال الشخصية والجماهيرية تتغلغل إلى كل جانب من جوانب حياتنا المعاصرة، صغيراً كان أم كبيراً، مما يجعلنا نعيش في عالم يتنفس الإعلام صباحاً ومساءً، خفيةً وجهراً، ومع ازدياد (تغلغل الهواء) الإعلامي في جوانب حياتنا، يزداد دور وسائل الإعلام الجماهيرية في العملية السياسية في مجتمعاتنا الحديثة، وتبرز أهميتها في بل...
قراءة الكل
تكاد وسائل الإعلام والاتصال الشخصية والجماهيرية تتغلغل إلى كل جانب من جوانب حياتنا المعاصرة، صغيراً كان أم كبيراً، مما يجعلنا نعيش في عالم يتنفس الإعلام صباحاً ومساءً، خفيةً وجهراً، ومع ازدياد (تغلغل الهواء) الإعلامي في جوانب حياتنا، يزداد دور وسائل الإعلام الجماهيرية في العملية السياسية في مجتمعاتنا الحديثة، وتبرز أهميتها في بلورة الصراعات السياسية التي تدور داخل هذه العملية، ونحن نعرف جيداً أن وسائل الإعلام والاتصال تخدم (جيداً) كأداة من أدوات تحقيق الأغراض والغايات السياسية بيد السياسيين، ويهدف هذا الكتاب الذي يقع في سبعة فصول إلى إلقاء نظرة فاحصة ومتمعنة على دور وسائل الإعلام في الصراعات السياسية وكيف يتغير هذا الدور ويختلف تبعاً لتغير عامل الزمن والظروف السياسية والاجتماعية المختلفة، ولقد اعتمدنا في هذه الدراسة على البعد الوظيفي والبعد الثقافي للصراع السياسي لدراسة دور وسائل الإعلام فيه، فنظام وسائل الإعلام وما تؤديه من وظيفة داخل المجتمع يجعلها تغدو جزءاً ضرورياً مكوناً المجتمعات الحديثة المركبة حيث يفترض أن للمجتمع تركيباً عضوياً يمكن فهمه بشكل أفضل من حيث الاعتماد المتبادل لأجزائه، والواقع أن علاقة الاعتماد على وسائل الإعلام هي بالتحديد علاقة اعتماد متبادل بين مؤسسات الإعلام والمؤسسات السياسية في ذلك المجتمع. إن التنافس على السيطرة على وسائل الإعلام الإخبارية هو عنصر أساسي في الصراعات السياسية الحديثة، حيث تتنافس الحركات السياسية من مختلف الاتجاهات والعقائد لجذب انتباه وسائل كوسيلة لتحقيق النفوذ السياسي، وكل من هؤلاء الخصوم أو المتنافسين السياسيين يحاول ترويج منظوره الخاص من الصراع في وسائل الإعلام في محاولة لحشد المساندة السياسية لقضيته، وإذا كان بإمكاننا فهم قواعد الصراع (وهو ما سنعمل عليه في الفصول اللاحقة)، والعوامل التي تقود إلى النجاح أو الفشل في هذا المجال، يمكننا أن نكون أقرب إلى فهم دور وسائل الإعلام الإخبارية الذي تلعبه في مثل هذه الصراعات. وستكون بؤرة تركيز هذا الكتاب على وسائل الإعلام في الصراعات السياسية غير المتكافئة (على وجه الخصوص)، رغم أن ما فيه من إسهامات نظرية تكاد تنطبق ومصالحة لمعظم أنواع الصراعات السياسية الأخرى، وتتمثل هذه الصراعات (التي سنركز عليها...) بجميع تلك الصراعات العامة بين الحكومة وبين خصم أو معارض واحد على الأقل والتي يكون فيها للدولة كم هائل من التفوق في المواد والتنظيم تحت تصرفها لإدارة الصراع، وبالطبع فإن لوسائل الإعلام دوراً محتملاً في التأثير على مثل هذه الصراعات (وهذا هو السبب الكامن وراء اختيارها لمجال الدراسة في هذا الكتاب). وعموماً، فإن هناك العديد من الصراعات التي تدخل ضمن هذه الفئة من الصراعات، مثل: الثورات، حركات التمرد، المظاهرات، أعمال العنف والإرهاب، الاضطرابات، وكل أنواع الحروب والنزاعات بين الدول القوية والدول الأضعف، أو بين الدولة وحركة معارضة أو أقلية مضطهدة داخل تلك الدولة... إلخ.
