لعل المنطق لم يحظ بما حظيت به سائر العلوم الدينية من اهتمامات ابن تيمية وشروحاته وتفصيلاته، فانحصر البحث المنطقي في عدة من مؤلفاته، بينما توسع وأكثر من المصنفات في بقية المواضيع المتعلقة بالشرع كالفقهيات والمعاملات والردود على أصحاب المذاهب والفرق. وفي هذا الكتاب قدم المؤلف دراسة حول المنطق عند ابن تيمية والذي يعني دراسة منهجه ف...
قراءة الكل
لعل المنطق لم يحظ بما حظيت به سائر العلوم الدينية من اهتمامات ابن تيمية وشروحاته وتفصيلاته، فانحصر البحث المنطقي في عدة من مؤلفاته، بينما توسع وأكثر من المصنفات في بقية المواضيع المتعلقة بالشرع كالفقهيات والمعاملات والردود على أصحاب المذاهب والفرق. وفي هذا الكتاب قدم المؤلف دراسة حول المنطق عند ابن تيمية والذي يعني دراسة منهجه في مختلف الميادين وذلك يقيناً منه بأن أهمية هذا الجانب من البحث لا تقل عن أهمية غيره من وانب بحوثه إذا لم تكن أكثر وأعم فائدة، خصوصاً أن ناحية المنطق لم يعتن بها الدارسون ولم يولدها الاهتمام اللازم في الوقت الذي نحن بحاجة إلى إبراز معالم الفكر العربي من خلال المفهوم الذي كان سائداً للمنطق. ولتوضيح ذلك المفهوم للمنطق عند ابن تيمية يذكر المؤلف بأنه لم يتناول في دراسته للمنطق الأرسطي الصورة وحدها، ولا إعادة وحدها بل تناولهما معاً بدون فصل بينها. وحاول أن يثبت أن فائدة المنطق ضعيفة في تحقيق العلوم. فهو يعتقد: "أننا لا نجد أحداً من أهل الأرض حقق علماً من العلوم، وصار اماماً فيه بفضل المنطق، لا من العلوم الدينية ولا غيرها. فالأطباء والمهندسون وغيرهم يحققون ما يحققون من علومهم بغير صناعة المنطق. وقد صنف في الإسلام علوم النحو والعروض والفقه وأصوله وغير ذلك، وليس في أئمة هذه الفنون من كان يلتفت إلى المنطق، بل عامتهم كانوا قبل أن يعرف المنطق اليوناني". وعلى ضوء ذلك يؤكد المؤلف بأن ابن تيمية رفض المنطق اليوناني برمته دمن النظر إلى مادته أو صورته، لأنه إذا كانت مادة القياس فاسدة فإن صورته لن تغير من الأمر شيئاً. والعبرة هي في التصور وليس في الصور، ذلك التصور المجمل في الذهن يكون بنتيجة الاختبار. ووسيلة التصور عنده، كما يوضح المؤلف، هي الحدود التي تقوم مقام الأسماء وتعطي نفس مدلولاتها إذا رافقتها التجربة. وقرار ابن تيمية انه لا يمكن أن يكون المنطق وسيلة للوصول إلى اليقين، لأن هناك من توصل إلى اكتشاف من أسرار الطبيعة وقوانينها بالتجارب والتأمل، وقبل أن يوجد المنطق ثم يتساءل ابن تيمية: "إذا كانت ثمرة المنطق أن يحسم الخلاف بين المتخاصمين من العلماء، فلماذا بقي الخلاف بين المتخاصمين من العلماء، فلماذا بقي الخلاف قائماً وثابتاً بعد المنطق كما كان قبله؟ فلو كان صحيحاً أنه يوصل إلى حقيقة يقينية أو يحسم خلافاً كما بقي في الناس قضية يختلفون من أجلها. ولا سراً إلا توصلوا إلى اكتشافه وفهموه، ولما اعت الفرق والمذاهب الفلسفية المتضاربة التي يهدم بعضها بعضاً. هكذا يرى ابن تيمية انه ليس للمنطق فائدة علمية ولا نظرية. هذا تقديم المؤلف للوجه السلبي من منطق ابن تيمية وهو الوجه الذي يقوم على نقد المنطق الأرسطي. أما الوجه الإيجابي من ذلك المنطق فإنه يقوم على رسم طريق للعلم يسير عليه الإنسان، وهو طريق النفس العالمة. ضمن هذا الإطار يتابع المؤلف دراسته حول منطق ابن تيمية وفهمه الفكري. وقد توزعت تلك الدراسة على أبواب الكتاب الأربعة والتي كانت على التوالي: في الباب الأول قدم المؤلف لمحة عن حياة ابن تيمية ومؤلفاته وعصره وتحدث في هذا الباب عن انتقال المنطق إلى العرب. ودار النقاش في الباب الثاني حول نقد الحد والقضايا والقياس عند ابن تيمية. وفي الباب الثالث تناول المؤلف مسألة قياس التمثيل والشمول واكتساب المعرفة بالحس بالإضافة إلى مسألة العقل عند ابن تيمية وأما الباب الرابع والأخير فقد خصصه المؤلف للبحث في منهج ابن تيمية في الاستدلال والعلوم الدينية.