كثيراً ما يكون خيال الفكرة هزيلاً ليس على شيء من الإبداع العبقري. وليس على شيء من الافتنان النافذ. ولكن لا تكاد تتناوله الألفاظ حتى تبعثه بعثاً آخر، وتخلقه خلقاً أوفى، فيه قوة ونفوذ ودقة وفحولة. بل كثيراً ما تغيّر في مذهب التفكير مما يجعلنا ندين الفِكَرَ الحكيمة والصور العبقرية في جوانبها الخاصة للألفاظ واللغة، فعليه جانب من برا...
قراءة الكل
كثيراً ما يكون خيال الفكرة هزيلاً ليس على شيء من الإبداع العبقري. وليس على شيء من الافتنان النافذ. ولكن لا تكاد تتناوله الألفاظ حتى تبعثه بعثاً آخر، وتخلقه خلقاً أوفى، فيه قوة ونفوذ ودقة وفحولة. بل كثيراً ما تغيّر في مذهب التفكير مما يجعلنا ندين الفِكَرَ الحكيمة والصور العبقرية في جوانبها الخاصة للألفاظ واللغة، فعليه جانب من براعة الخيال يرجع إلى اللغة التي أفرغت عليه ما أفرغت وزودته بكل ما نسميه بسمو الفكرة حيث تطالع الإنسان في دهشة بالغة ومطرفة أيضاً.من هذا المنطلق يمضي الشيخ عبد الله العلايلي في اجتهاداته اللغوية مؤمناً بأن الضرورة أصبحت تدعو إلى تغيير منهاج دراستنا اللغوية وطريقة قياسها في الوضع والاشتقاق وما يتبعه من أشكال الاستعمال. لذا آثر في مقدمته هذه مناقشة ضافية الذيول، ليس من غرضه فيها إلا أن تكون بعثرةً لفكرة المحافظة على التراث الاجتهادي الذي لا يزيد عنه آراء مرسلة أفضى بها العالم اللغوي، واقتنع بها كما اقتنع، من قبله، الطبيعي واللاهوتي. ولكن ما يقتنع به شخص أحياناً يجد كثيرين لا يقتنعون به، ولا يكاد يطمئنون إليه أو لا يواتيهم هذا الاطمئنان على شدة تعرفهم إلى تلك الآراء ومبالغة تعلمهم في أن يقتنعوا بها، فنازعوها وخطّؤوها وأزروا عليها كثيراً، وزاد في أنفسهم ما يعتدون به على أمثال ابن جنّي وهذه الطبقة. ويقول هنا الشيخ العلايلي بأن من العجب ما نأخذ أنفسنا به في تقييمٍ انقلب خشية، واحترام انقلب عبادة، لم يكن حتى متأخرة اللغويين يأخذون أنفسهم على نسق من مثل ما نفرض على أنفسنا فرضاً عنيفاً ونوجبه إيجاباً قاسياً، لا نستبيح معه ولو مثاله من التنكب والأخذ من وجهة أخرى.ومهما يكن من شيء فقد قرر الشيخ العلايلي في اجتهاداته اللغوية هذه ما رآه معقول العرب في اللغة من وجه، ومقيل عثار العربية بحيث يعدها للمستقبل المحدود من وجه آخر. والشيخ العلايلي في اجتهاده اللغوي هذا عمد إلى سبيل لا يخرج عن العربية في أساسها. وسمذها تنقيحاً وينحصر فيما يلي: أولاً: في حذف السماع من اللغة إلاّ على المعنى الذي أقرّه في بحث السماع من المقدمة. ثانياً: في إباحة صوغ موازين الثلاثي برمتها من أي ثلاثيٍّ وكذلك موازين الرباعي ثالثاً: في تخصيص الموازين مفردةً أو مجموعة بدلالات قارّة ثابتة لا تختلف على اختلاف المواد. رابعاً: في توحيد معاني المشتقات جميعها للمادة، على شكل التوسل بورود (المِرْجاس) من (رجس)، بمعنى مقياس الماء، إلى الاشتقاق من (رَجَسَ) بمعنى قياس الماء. هذا أهم ما في الدعوة الجديدة أو التنقيح الجديد من أهداف، ويجيء في الدرجة الثانية من الاعتبار: 1-الاستفادة من قاعدة الدوائر، أو القاعدة الدائرية التي يراها القارئ مبسوطة في المقدمة بوضع مواد جديدة لم يسبق للعرب أنهم وضعوها أو أنهم وضعوها وأميتت. 2-الاستفادة من سنة الرباعي وما إليه بزيادة الحرف على الآخر بعد تحرير معاني الحروف الهجائية. 3-المعاقبة والإبدال، وما بقي مما جاء في المقدمة فلواحق في الوقاع لا يؤثر أبداً عدم اعتمادها كالمجاز والتضمين، والفلك في محل الإدغام لدلالة، والتصحيح مع موجب الاعلال لقرض، وهكذا مما بسطه الشيخ العلايلي في مقدمته هذه، والغرض منه انبساط رقعة الوضع أما الواضع الجديد بحيث لا يصادفه عناء ملحف ولا عنت مرهق.