على كثرة ما كتب الـمؤرخون ودارسو الآثار عن عدوتي أبي رقراق: الرباط وسلا، فإن الباحث فـي تـاريخهما – فضلاً عن الراغب في تعميـق الاطلاع عليه – ما يزال يشعر بالحاجة الـماسة إلى مزيد من التنقيب فـي جوانب هذا التاريخ، ولا سيما الخفـية منها التي تتطلب استقصاء الوثائق الغميسة والنصوص الدفـينة.وما ذاك إلا للأهمية التي لهاتين الـمدينتين،...
قراءة الكل
على كثرة ما كتب الـمؤرخون ودارسو الآثار عن عدوتي أبي رقراق: الرباط وسلا، فإن الباحث فـي تـاريخهما – فضلاً عن الراغب في تعميـق الاطلاع عليه – ما يزال يشعر بالحاجة الـماسة إلى مزيد من التنقيب فـي جوانب هذا التاريخ، ولا سيما الخفـية منها التي تتطلب استقصاء الوثائق الغميسة والنصوص الدفـينة.وما ذاك إلا للأهمية التي لهاتين الـمدينتين، وكذا للغنى الذي يطبعهما على مختلف الأصعدة، سواء فـي العهود القديمة أو الحديثة ؛ دون إغفال ما تشهدانه فـي الـمرحلة الـمعاصرة من تألق وازدهار.وتكاد الـمآثر أن تكون فـي طليعة ما يكشف هذا الغنى، بدءاً مما عرفته العدوتان منذ العصر الحجري إلى ما تعرفانه اليوم، مروراً بكل الفترات التي تعاقبت عليهما، مخلفة معالـم دالة، بتعددها وتنوعها وما لها من خصوصيات، على التميز الذي يضفـي على الضفتين سمات حضارية وثقافـية بارزة ومتفردة.* * * * * * *من هنا تأتي قيمة هذا الكتاب الهـام الذي أنجزه الأستـاذ الجليل الدكتور عبد العزيز صلاح سالـم عن «الآثـار الإسلامية فـي مدينتي سـلا وربـاط الفتح». وهو إنجاز ينم عما للمؤلف فـي هذا الـمجال الدقيق من تحكم فـي البحث، وقدرة على التعمق فـيه، وصبر على اجتياز عقباته التي من بينها، إن لم تكن أصعبها، الوصول إلى كثير من الـمصادر والـمراجع الأساسية.ولا أخفـي أنه اهتدى إلى العديد منها مهما تكن بعيدة الـمنال، وأنه وفق فـي استنطاقها والاستفادة منها، بتثبت وأناة، وبخبـرة ومعرفـة، وبموضوعية ونزاهة كذلك ؛ مضيفا غير قليل من الجديد إلى كتابات الذين سبقوه من الـمغاربة والـمشارقة والـمستشرقين.فقد تتبع هذه الآثار من خلال التطور التاريخي والحضاري للمدينتين الجارتين، محققا موقع هذه الآثار ونشأتها وأصل تسميتها، وما تشكله من عناصر معمارية وتكوينات زخرفـية، سالكاً فـي دراستها منهجاً جعله يبدأ بتناول الـمساجد وما يتصل بها من عمائر دينية، لينتقل بعد ذلك إلى التي كانت لها أهداف اجتماعية، كالـمدارس والزوايا والبيمارستانات والحمامات وما إلـيـها مـن منشآت مائية، ثم التي كان لها دور حربي فـي الدفاع عـن حـوزة الـوطن، كـالأبواب والأسوار والقصبات والأبراج.ولم يكتف الباحث بالوقوف عند هذا الجانب، ولكنه انطلق منه للنظر فـي البعد الجمالي لهذه الآثار، مركزاً على ما تضمه من نقوش كتابية وتشكيلات هندسية وزخارف توريقية تعكس ملامح فنية محلية كان لكل دولة فـيها طابع خاص ؛ مع لفت الانتباه إلى مظاهر التأثر بالعمارة الإسلامية عامة، سواء منها ما عرفته بلاد الأندلس أو مـا كانـت تزخر به أقطار الـمشرق ؛ متوسلا فـي إبراز كل ذلك بمجموعة من الرسوم والصور التوضيحية.