كان الشيخ محمود الحفيد مثالا إنموذجياً لرجل عبر عن رفضه للأستعمار وشد رحاله لخوض الكفاح المسلح من دون أن تثنيه عنه أساليب البطش والترهيب وليس أبلغ من تعبير ما قاله المؤرخ العراقي الكبير المرحوم عبد الرزاق الحسني بحق ذلك الرجل شخصت قضية الشعب الكردي على مسرح الأحداث في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918) كقضية من أعقد قضايا ا...
قراءة الكل
كان الشيخ محمود الحفيد مثالا إنموذجياً لرجل عبر عن رفضه للأستعمار وشد رحاله لخوض الكفاح المسلح من دون أن تثنيه عنه أساليب البطش والترهيب وليس أبلغ من تعبير ما قاله المؤرخ العراقي الكبير المرحوم عبد الرزاق الحسني بحق ذلك الرجل شخصت قضية الشعب الكردي على مسرح الأحداث في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918) كقضية من أعقد قضايا الشرق، وأصبحت من أكثر القضايا إثارة للجدل والنقاش على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن بين الأمور التي دفعت بقضية ذلك الشعب إلى تعقيداتها المعروفة، خوض شعوب المنطقة الكفاح ضد الهيمنة الاستعمارية لنيل استقلالها، إذا داهمت تلك الشعوب تحديات حقيقية، أدت بمصيرها نحو الرضوخ لإدارة الدول الاستعمارية ومخططاتها، فضلاً عن افتقار قيادات المنطقة للنظرة التحليلية ذات البعد الإستراتيجي، وانقياد البعض منها إلى وجهات نظر تلك الدول، ومن ثم الخوض في مواجهات تداخلت فيها المواقف، وتضادت إلى الحد الذي تناسب فيه ما يتطلبه الموقف من إيجاد حلول ناجحة لقضية الكرد ومستقبلهم.وإزاء ذلك التداخل والتعقيد الذي ألم بالقضية الكردي، برزت قيادات كردية أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن مستقبل الكرد، وحاولت إيجاد حلول واقعية عملية لقضية شعبها أسوةً بالشعوب الأخرى التي وجدت قضاياها، ومستقبلها طريقها إلى المجتمع الدولي، ونجحت قياداتها في تحديد الموقف إزاء التطورات السياسية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، وفي ظل تلك الظروف كان الشيخ محمود الحفيد من أبرز الزعماء الكرد الذين ظهروا على مسرح الأحداث لأداء تلك المهمة في كردستان الجنوبية (كردستان العراق)، وتأتي هذه الدراسة لتسليط الأضواء على جانب حيوي من تاريخ ذلك الثائر الكردي العراقي، الذي كان كفاحه يمثل مرحلة زاخرة بالعطاء، مر بها تاريخ العراق والشعب الكردي ضد الهيمنة البريطانية.فتناول الفصل الأول منها المراحل الأولى من حياة محمود الحفيد، وأثرها في تكوين شخصيته حتى عام 1914، فضلاً عن إعطاء عرض تأريخي موجز عن الأسرة البرزنجية، وطابعها الديني التصوفي، والأحداث الأولى الهامة التي كانت لها أثر على حياة الشيخ محمود، إذ قفزت به إلى الموقع القيادي من بين أقرانه من أفراد تلك الأسرة آنذاك، لا سيما مقتل والده الشيخ سعيد.أما الفصل الثاني فقد كرس لبحث واقع كردستان العراق، والدور السياسي للشيخ محمود الحفيد خلال المدة (1914-1919)، إذ أبرزنا فيه مشاركة الحفيد في الحرب ضد القوات الروسية أثناء تعرضها لمناطق في كردستان، فضلاً عن مشاركته في معركة الشعيبة القريبة من البصرة (جنوب العراق) في نيسان عام 1915، لصد القوات البريطانية المتقدمة نحو بغداد، كما تم في هذا الفصل دراسة الدور الفاعل الذي مارسته السياسة البريطانية في المنطقة حتى العام 1919، وانعكاساته على مواقف الشيخ محمود بعد تشكيله الحكومة الأولى في السليمانية (تشرين الثاني 1918).وفي الفصل الثالث تم تناول طبيعة العلاقة بين الشيخ محمود والبريطانيين بعد الحرب العالمية الأولى (1919-1922)، إذ شهدت المنطقة أحداثاً مهمة كانت لها أثر في القضاء على حكومة الشيخ محمود الأولى، وتم البحث أيضاً في أسباب فشل حركة الشيخ محمود ضد البريطانيين، وأهم نتائجها. وتواصلاً مع ما أسفرت عنه الأحداث، تم تناول محاكمة الشيخ محمود أمام المحكمة العسكرية البريطانية، بعد أن تم أسره في معركة فاصلة مع القوات البريطانية في حزيران عام 1919، التي أصدرت عليه حكماً بالإعدام، استبدل فيما بعد بعشر سنوات سجن والنفي، وتمت مناقشة التطورات السياسية خلال مدة نفي الحفيد.وخصص الفصل الرابع لدراسة السياسة البريطانية في العراق ودور الشيخ محمود السياسي في غضون المدة (1922-1923)، وتم التطرق إلى متغيرات الواقع السياسي في كردستان العراق، والحلول التي أرتأها مخططو السياسة البريطانية لمواجهة تلك المتغيرات، وتحقيق الأهداف السياسية البريطانية بشكل مباشر أو غير مباشر، كما تم التطرق إلى حكومة الشيخ محمود الثانية (1922) وتشكيلاتها الإدارية، وسلط الضوء على اهتمام الشيخ محمود بالصحافة في تلك المرحلة، كونها من بين أوجه النشاط الفكري المهم التي تعتمد عليها الحركات السياسية والفكرية المعاصرة عادة.وفي الفصل الخامس من الدراسة تم التطرق إلى علاقة الشيخ محمود الحفيد بالكماليين، والتي كانت عاملاً مهماً من عوامل زيادة حدة التوتر في كردستان العراق.أما الفصل السادس والأخير من الدراسة فقد كرس لتناول أسباب عودة الشيخ محمود إلى السليمانية في تموز 1932، بالإضافة إلى الخيار العسكري (البريطاني-العراقي) الذي اتخذ ضد الحفيد، وإجراءات الحكومة العراقية للسيطرة على الأوضاع في المنطقة الشمالية. وأخيراً تم توضيح الدور الذي اتخذ الحفيد تجاه اللجنة الدولية التي بعثتها عصبة الأمم لحسم مشكلة الموصل.