لأيام وطارق يمشِّط الحجرة بخطواته، يرفع بصره إلى السقف الإسمنتي محاولاً النفاذ بخواطره عبر النافذة الضيِّـقة العالية. ظل السؤال ينقِّر دماغه، وطيفُ ندى. أسند جبينه إلى الجدار وقال: - بتعرف ندى؟ -... - بتعرف ندى الحاج سعيد؟ - طبعاً، سؤالك غريب!! صمت مرهق احتواهما، حدق طارق إلى عيني صديقه ثم قال: - بتعرف العلاقة بين الجنس والانتقا...
قراءة الكل
لأيام وطارق يمشِّط الحجرة بخطواته، يرفع بصره إلى السقف الإسمنتي محاولاً النفاذ بخواطره عبر النافذة الضيِّـقة العالية. ظل السؤال ينقِّر دماغه، وطيفُ ندى. أسند جبينه إلى الجدار وقال: - بتعرف ندى؟ -... - بتعرف ندى الحاج سعيد؟ - طبعاً، سؤالك غريب!! صمت مرهق احتواهما، حدق طارق إلى عيني صديقه ثم قال: - بتعرف العلاقة بين الجنس والانتقام!؟ عاصم سرح بخياله إلى تلك الليلة في منزل عاشة أم سُكْسُكْ. كان يشتهيها وتشتهيه، لكن جداراً خفياً ظلَّ يؤجِّل الرغبة العارمة والأشواق المتقدة. شوق بلا هوادة يمور بصدره، وما أن يبدأ خطواته إليها حتَّى يداهمه التردُّد. آخر مرة زارها ليلاً، كان ابنها محجوب نائماً وسط الحوش. استأذنته لدقائق، دخلت التُكل فتبعها. من الركن حملت جركن بلاستيكي يحوي عرق التمور، ومن وسط الأواني تناولت زجاجة فارغة. وضعت الفانوس بقربها ثم جلست على سيقانها فانحسر فستانها عن فخذين مدهونين. رفعت رأسها وعاصم يصوِّب نظراته وأشواقه إلى الفخذين اللامعين على ضوء الفانوس الشاحب.. حبس طارق أنفاسه عندما دُفِع الباب وسقط ضوء ساطع من الخارج. ظهر وجه معقوف الأنف أومأ إلى عاصم فتبعه. توغَّل الليل وطارق في انتظار عودة صديقه من الاستجواب. مَرْوَحَ البلاط بقدميه والهواء بيديه، بحثاً عن لحظة تمنحه توهاناً أقل. تفتَّـقت أشجانه القديمة: عيون مريم بدر الدين، حلقات الحوار الفكري والسياسي. مجموعات من الطلاب تمشي في خطوات عسكرية، تهتف؛ بعد فوز حزبها لقيادة اتحاد الطلاب. معارض الكليات، الطالبات المتأنقات على الطريق الرئيسي وأمام المكتبة المركزية. ندى الحاج سعيد، البلدة، صور الزعماء في محل الحلاق: متحف الصور؛ كان مأواهم في العطلات الصيفية، يتوافدون إليه بعد الإفطار، يتحاورون في الدين والسياسة.