سلسلة البحوث والدراسات الإسماعيلية: الإسماعيليون (كشف الأسرار ونقد الأفكار )

لقد كثرت اليوم الدراسات التي تناولت الإسماعيلية كدعوة وفكرة. وقد كانت قبل ذلك قليلة ونادرة، إلا أن معظمها بدا ناقصاً، وفي أغلب الأحيان مبتوراً. ويرجع السبب في ذلك إلى السرية المفرطة التي أحاطها الإسماعيليون بدعوتهم وبكتاباتهم خاصة. وعلى الرغم من جهود المعهد الإسماعيلي في لندن بالاستعانة بخبراء ومتخصصين من جميع أنحاء العالم في نشر بعض الكتب والبحوث والدراسات؛ إلا أن خزانة الفكر والتراث والأدب عند الفرقة الإسماعيلية-والنزارية، وهم اليوم أتباع الآغاخان، لا تزال تفتقر لكنوز المعرفة الإسماعيلية التي دوّنت في كتب محفوظة، وبسرية تامة لدى البهرة، وهم من يسمى بالإسماعيلية-المستعلية ورثة العلم من الإمام المستتر الطيّب بن المستعلي بالله الفاطمي.كما أن هناك كتب أخرى يحفظها الدروز لديهم، وعلى الرغم من علمهم بأن تلك الكتب ليست من كتبهم، إلا أن حفظهم لها يأتي في باب حفظ التراث الأدبي والعلمي للأصول المشتركة بين الدروز والإسماعيليين، فكلاهما فاطمي المشرب والتاريخ. وبعد أن أفشى خصوم الإسماعيليين بعض أسرار دعوتهم؛ بدأت كتب الدعوة تنحو منحىً أكثر سرية وإخفاء، حتى في قمة الانفتاح السياسي لها واستقرار الدولة في مصر. فها هو ذا باب الأبواب الداعي الفاطمي الكبير جعفر ابن منصور اليمن (47هـ/958م)، يقول: "وإني يا أخي عليك عهد الله وميثاقه، وأشدّ ما أخذ الله على أنبيائه ورسله دائماً، من عهد مؤكد وميثاق مشدد، وأحرّم عليك ما حرم الله على أنبيائه ورسله وأبوابه وحججه... أن تذيعه، ولا يقرأه غيرك ولا تلفظ به لأحد من ولد آدم.. ولا تكتبه إلا لأحد، إلا لمستحق مؤمن محق. فإن تعديت وفعلت غير الذي آمرك به وأذعته، فقد برىء الله منك ورسوله ووصيه، وسلط الله عليك سيف الحق ينفذ فيك حكمه ولو كره المشركون".ومن منطلق التعريف بهذه الفرقة كدعوة وفكرة يكمل الدكتور عادل سالم العبد الجادر في هذا الكتاب مسيرته البحثية التي بدأها في عام 2000م بكتاب "الإسماعيليون: الدعوة والدولة في اليمن" متابعاً وضمن سلسلة البحوث والدراسات الإسماعيلية العدد الثاني منها، والذي اختار أن يكون موضوعه في نقد الفكر الإسماعيلي من وجهة النظر المخاصمة لتلك الدعوة، وقد آثر المؤلف الوقوف على مقالات خصوم الإسماعيلية عن الدعوة الإسماعيلية وفكرها، محدداً في بحثه هذا مقالة أبي القاسم السبتي في كشف أسرار الباطنية وعوار مذهبهم، التي اختفت مدّة طويلة من الزمن، ولم يحظ كاتبها بشهرة كغيره من علماء الكلام.هذا وقد مهد المؤلف لهذه الدراسة عن السبتي وعن مقالته باستعراض بعض كتب المتكلمين والمؤرخين والتعريف بها وبمؤلفيها، ليمد بذلك القارئ بخلفية عن تلك الكتب والمؤلفين والحقبة التاريخية التي عاصروها، بالإضافة إلى ذلك سعى المؤلف لن يكون ما يقدمه من تصريف لتلك المصادر فتحاً للباحثين الجدد في ميدان الدراسات الإسماعيلية والفاطمية، وتسهيلاً لهم بتناول المعلومات من أمهات الكتب، لذا قام بتذييل قائمة المصادر بالمراجع الهامة المفيدة لكل بحث في هذا المجال، فأورد أسماء الكتب والمقالات الحديثة والمعاصرة تحت أسماء مؤلفيها من الذين قدموا جهوداً مميزة، فأصبحوا بذلك أعمدة لصرح الدراسات الإسماعيلية.وسيلاحظ القارئ بأن بعض تلك المصادر قد تناولها المؤلف بالشرح والتفصيل عن الحديث عنها في الباب الأول من هذا الكتاب عن الدعاة الإسماعيليين الواردة أسماؤهم في كتاب البستي من كشف أسرار الباطنية وعوار مذهبهم. وقد قام المؤلف بذكر المصادر والمراجع تباعاً حسب الترتيب الزمني لعصر المؤلف. مفصلاً قائمة بالمؤلفات التي كتبها خصوم الإسماعيلية، مضيفاً إلى تلك القائمة قائمة أخرى بمصنفات الدعاة. مختتماً الباب التمهيدي لمدخل الدراسة بإنجازات المستشرقين في دعم وتقدم الدراسات الإسماعيلية، متبعاً ذلك بذكر أهم الكتب الحديثة المعاصرة التي عني مؤلفوها عناية فائقة وبذلوا جهوداً كبيرة في هذا الميدان. مكرساً الباب الثاني لتحليل كتاب البستي بعد تناول حياة المؤلف وأهم أعماله منهياً الباب بترجمة لأسماء دعاة الإسماعيليين التي أوردها المؤلف في كتابه. أما الباب الثالث فقد تمّ إفراده للمخطوط نفسه بكتابته بعناية وبترتيبه ضمن فصول مع إضافة بعض الملاحظات والشروحات على ما قرأه المؤلف ليتسنى للقارئ أن يقرأ الكتاب بسهولة ويسر.في هذا الكتاب نكمل مسيرتنا ضمن سلسلة البحوث والدراسات الإسماعيلية، لنستعرض كيف كان المتكلمون، من معتزلة وأشاعرة في مسرح ثقافة العصر العباسي الثاني، ينظرون إلى الحركة الشيعية الجديدة الناشطة، وكيف كانوا يقيّمون عقيدة الدولة الفاطمية على ضوء معطيات عصرهم. ولعل المشكلة الكبرى التي كانت ولا تزال تواجه الباحثين في ميدان الدراسات الإسماعيلية، تلك السرية المفرطة التي أحاطها الإسماعيليون بدعوتهم وكتبهم، حتى أنّ الإسماعيلية أنفسهم قد وقعوا بمتناقضات نقرأها بين ثنايا أسفارهم، السبب الذي جعل أولئك المتكلمين يهاجمون منهجية الدعوة الجديدة وأهدافها. ولو يعرف المخاصمون أن الشريعة عند الإسماعيلية تتغير، تزداد وتنقص بأمر إمام الزمان، حسب الحاجة وحسب متطلبات العصر، فبنوا من قواعد الاختصام نقدهم وشنّوا هجومهم على تلك الكتب، فوظفوا ما استطاعوا من الأدلة الشرعية لنقد ونقض تلك الدعوة الجديدة التي رفعت راية الإمامة وشعار الولاية لأبناء الحسين من نسل إسماعيل بن جعفر الصادق. أمّا بعض تلك الكتب التي استند عليها المتكلمون في فترة من فترات التاريخ، فقد أثبتت الدراسات الحديثة بأنها قد غدت من كتب التراث الأدبي للدعوة، الذي حفظ معظمه ليتدارسه الأبناء كتاريخ.