لقد تراكمت البحوث والدراسات التي تطرح قضية الوسطية في الإسلام، وتنوّعت الأطروحات في هذا السياق، فمن الباحثين من يرى أنّها هي الحلّ السحري لمشكلات الأمّة ومنهم من يعدّها الترجمة الإسلامية المعدّلة للتصوّر العلماني الغربي، ومنهم من يرى أنّها مفهوم نسبيّ يخضع لنيات مُطلقيه ومُستعمليه. وتأتي مقاربة طيب تيزيني في سياق اعتبار الوسطية ...
قراءة الكل
لقد تراكمت البحوث والدراسات التي تطرح قضية الوسطية في الإسلام، وتنوّعت الأطروحات في هذا السياق، فمن الباحثين من يرى أنّها هي الحلّ السحري لمشكلات الأمّة ومنهم من يعدّها الترجمة الإسلامية المعدّلة للتصوّر العلماني الغربي، ومنهم من يرى أنّها مفهوم نسبيّ يخضع لنيات مُطلقيه ومُستعمليه. وتأتي مقاربة طيب تيزيني في سياق اعتبار الوسطية مشروع منهجية، ربما لا يتماهى والمنهجية العلمانية، ولكنه ليس غريباً ولن يكون غريباً أمام عوالمها التي تظلّ بحاجة إلى بنائها واستلهامها.تتناول هذه المحاضرة، قضية الوسطية انطلاقاً من تحديد إطار فكري ينظر إلى الظاهرة الدينية؛ بوصفها تستلزم مقاربة تخضع للعقل والمعرفة البشرية والحدس. وقد أبرز المحاضر حاجة المسلمين إلى تحرير أنفسهم من الحصار الذي تضربه عليهم القراءة الأيديولوجية التي تفتقر إلى الانتماء إلى العصر. وميّز بين المرجعية الأحادية التي تكمن في مبدأ "التوحيد الإسلامي"، وبين مرجعية التعددية المجتمعية التي تكمن في المجتمع وما ينشأ فيها من مشكلات مجتمعية سياسية واقتصادية وعلمية. وجدّد تيزيني الدعوة إلى قانون التبني والاستلهام والعزل التاريخي التراثي؛ بمعنى الانتقائية الإيجابية في التعامل مع التراث. ورأى المحاضر أنّ العامليْن اللّذيْن يحتضنان الوسطية؛ هما: "العقد الاجتماعي" و"المجتمع المدني الديموقراطي"، مشيراً إلى أنّ "التطرف الديني" يقع في مقدّمة عوائق الوسطية. وألحّ على أنّ الوسطية والتطرّف هما نتاج فعل بشري مجتمعي، وليسا حالتين "فطريتين" في حياة الناس. وختم بالإشارة إلى إنه يمكن النظر إلى الوسطية؛ بوصفها مشروع منهجية ربما لا يتماهى والمنهجية العلمانية، ولكنه ليس غريباً ولن يكون غريباً أمام عوالمها التي تظلّ بحاجة إلى بنائها واستلهامها؛ إذ تكمن مهمّة الوسطية في دائرة التفكيك والإسقاط لكل ما يدخل من الأدوات والمجالات التي لا تستجيب للهدف المنهجي الناظم، وهو إسقاط السلاح والاحتراب في المجتمع.