"تعود جذور فكرة الدولة الفلسطينية إلى أوائل السبعينات في القرن العشرين حينما كانت الثورة الفلسطينية في ذروة حضورها واندفاعها. ففي تلك الفترة أوفدت منظمة "الكويكرز" في الولايات المتحدة الأميركية الأستاذ في جامعة هارفارد، "روجر فيشر" إلى الشرق الأوسط مع مجموعة من الباحثين. وعملت هذه المجموعة، بسرية تامة، في الوسط الفلسطيني وفي بعض...
قراءة الكل
"تعود جذور فكرة الدولة الفلسطينية إلى أوائل السبعينات في القرن العشرين حينما كانت الثورة الفلسطينية في ذروة حضورها واندفاعها. ففي تلك الفترة أوفدت منظمة "الكويكرز" في الولايات المتحدة الأميركية الأستاذ في جامعة هارفارد، "روجر فيشر" إلى الشرق الأوسط مع مجموعة من الباحثين. وعملت هذه المجموعة، بسرية تامة، في الوسط الفلسطيني وفي بعض الدول العربية المحيطة بفلسطين.أما الفكرة التي حاولت هذه المجموعة ترويجها فهي فكرة قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة مع تعديلات في الحدود، وإبقاء القدس موحدة على أن يجري تحديد وضعها النهائي في أثناء المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي ما يتعلق باللاجئين يتم دفع تعويضات لهم وإبقاؤهم حيث هم في دول اللجوء.كشف الدكتور صادق العظم أوراق هذه البعثة ودفعها إلى صديقه بلال الحسن الذي سلمها للأستاذ طلال سلمان والذي، بدوره، نشرها في جريدة "الأنوار" اللبنانية وفي مجلة "الصياد" في 1971/2/18. وفي الأثر ثارت غبائر كثيرة حول هذه البعثة وأفكارها ومقترحاتها واتصالاتها، ما أدى إلى عقد اجتماع عاصف لأعضاء اللجنة المركزية لحركة المقاومة الفلسطينية في دمشق في 1971/2/25 التي أصدرت بياناً رفضت فيه فكرة الدولة الفلسطينية، وأعلنت تمسكها بالميثاق الوطني الفلسطيني الذي ينص على تحرير كامل التراب الفلسطيني.وكان أكثر المدافعين عن فكرة الدولة حينذاك إبراهيم بكر وكمال عدوان. خمدت فكرة الدولة الفلسطينية فترة من الزمن، وكان لا بد لها من حدث كبير يعيدها إلى التداول. وما أن اندلعت حرب السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973 واتضحت نتائجها الواقعية حتى أطلت هذه الفكرة مجدداً وبقوة هذه المرة. وما عتمت أن أصبحت جوهر البرنامج الوطني الفلسطيني الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1974 فصاعداً.وفي 1988/11/15 تلا الشاعر الكبير محمود درويش إعلان استقلال دولة فلسطين الذي أصدره المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر، لكن هذه الدولة ما كان لها أن ترى النور، بل ظلت دولة ورقية لا قوام لها. بموجب اتفاق أوسلو في 1993/9/13. وبعد رحلة طويلة في شعاب الكفاح المسلح، نشأت في فلسطين مؤسسات شبه دولية هي المؤسسات الضرورية للسلطة الفلسطينية الوليدة. غير أن هذه المؤسسات لم تنبثق في سياق التشكل التدريجي والتاريخي للدولة الفلسطينية، بل جرى تأسيسها، من فوق، باتفاق دولي. فالدولة الفلسطينية التي يناضل الشعب الفلسطينية اليوم في سبيلها ستكون دولة من طراز خاص. فهي تفتقد إلى الوحدة الجغرافية والاتصال الطوبوغرافي. كما أنها ستكون دولة ترعى شعباً في جهتين أو أكثر: اللاجئون في شتى أنحاء العالم ولا سيما في الجوار العربي؛ مواطنو الدولة نفسها، ربما، أيضاً، الفلسطينيون في إسرائيل.إن ما يعيق قيام دولة فلسطينية حقيقية، فضلاً عن مسألة القدس وقضية اللاجئين، هو عدم سيطرة الدولة الفلسطينية المقترحة على مجالها الجوي وعلى منافذها البرية والبحرية. إن عدم السيطرة التامة على الإقليم الجغرافي هو عائق جدي أمام تأسيس دولة حقيقية.وعلى هذا يمكن القول بأن دولة من دون القدرة على التحكم بأمنها الذاتي، أي دولة منزوعة السلاح ليست جديرة بأن يقاتل الفلسطينيون من أجلها بالسلاح. ولعل الانتفاضة التي اندلعت في 2000/9/28، والانتفاضات التي ستندلع لاحقاً، ستكسر هذه المعادلة، وستفتح الباب نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة حقاً على جميع الأراضي التي احتلت في سنة 1976، بما فيها القدس الشرقية".بهذه الرؤية استهل "صقر أبو فرخ" تأريخه الموثق لمسيرة الحركة الوطنية من النضال المسلح إلى دولة منزوعة السلاح، وفي تأريخه هذا الكثير من الوقفات الجديرة بالتأمل، لما تحمله من أحداث هامة شكلت منعطفات هامة على درب كفاح الحركة الوطنية الفلسطينية، إلى جانب ذلك وما يزيد من أهمية هذا الكتاب هو ذاك المرجع المدوّن في نهايته والذي يسرد وبدقة الوقائع الفلسطينية، بحسب التاريخ الصحيح لوقوعها، وذلك على طيلة مائة وعشرين عاماً (120 عاماً) من الصراع، وذلك ما بين العام 1882 إلى العام 2002. ولطالما احتاج الباحثون والكتاب العرب إلى هذا المرجع فأعيتهم الحيلة في التفتيش ولم يجدوا ضآلتهم.وبسبب غياب هذه "الكرونولوجي" عمد المؤلف إلى إعداد هذا المسرد الحديثي الزمني بشكل وافٍ ليسد بذلك فراغاً في المراجع المساعدة في التاريخ الفلسطيني الحديث. أضف إلى ذلك تلك الصور التذكارية والتي كانت بمثابة سرد مصور لبعض المواقف التي شملت شخصيات هامة كان لها دورها الفعال في التاريخ النضالي للحركة الوطنية الفلسطينية.