من أبرز ملامح العالم الإسلامي في العصور الوسطى هو النفوذ الذي تحقق للفقهاء والتزايد الاطرادي في عددهم على مر السنين، مقارنة مع العلماء الآخرين، ولعلّ من الأسباب الرئيسة: المكاسب الأدبية والمادية التي تحققت لهم نظرا للسلطة الروحية والعلمية التي حازوها، بوصفهم من أبرز الشرائح الفاعلة في الحضارة العربية الإسلامية.هذا ما جعلهم في اح...
قراءة الكل
من أبرز ملامح العالم الإسلامي في العصور الوسطى هو النفوذ الذي تحقق للفقهاء والتزايد الاطرادي في عددهم على مر السنين، مقارنة مع العلماء الآخرين، ولعلّ من الأسباب الرئيسة: المكاسب الأدبية والمادية التي تحققت لهم نظرا للسلطة الروحية والعلمية التي حازوها، بوصفهم من أبرز الشرائح الفاعلة في الحضارة العربية الإسلامية.هذا ما جعلهم في احتكاك مباشر مع السلطة السياسية، بحيث أصبح من الصعب التأريخ للسلطان وبعض أجهزة “الدولة” بمعزل عن الفقهاء، وبذلك شكل التأريخ للسلطتين قوام الكتابة التاريخية في العصر الإسلامي الوسيط. ومن هذا المنطلق توجهت عناية عدد من الدارسين الذين تناولوا “علاقة السلطة بالفقهاء” بالبحث والدراسة في المشرق والغرب الإسلامي في شكل بحوث مستقلة أو ضمن دراسات. إلاّ أنّه وبالرغم من أهمية تلمسان والدور الذي لعبته في تاريخ المغرب باعتبارها دار السلطان والحاضرة العلمية للمغرب الزياني، لم يحظ فيها هذا الموضوع بدراسة مستقلة على غرار الحواضر الأخرى، إذ استثني من ذلك بعض الدراسات التي أمكن تلمس دور الفقهاء فيها انطلاقا من تسليط الضوء على الجانب السياسي أو الإداري لتلمسان والدولة الزيانية، أوبتناول إنتاجهم الفكري بالترجمة لهم .وبذلك يأخذ موضوع الكتاب أهميته باعتباره إضافة في إبراز هذه الظاهرة “الفقهاء والسلطة بتلمسان الزيانية” في الفترة الممتدة من سنة (633هـ/1235م) إلى سنة (791هـ/1388م) وهي مرحلة هامة في حياة الدولة وحاضرتها، بفضل ما توفر لها من عوامل، كانت مجالا خصبا لنشاط عدد معتبر من الفقهاء، سواء الذين نشؤوا بها أو وردوا عليها، ولامتداد دور بعضهم الآخر غربا وشرقا، رغم الفترات التي غابت فيها السلطة الزيانية لصالح الحفصيين والمرينيين بشكل أخص.