تلك قصص وحكايا جمعتها عن جدتي طوال سنين، لم تكن هته القصص من تلك التي يرويها الآباء للصبيان قبل النوم أو من تلك التي يتسامر بها القرويون حول موقد الشتاء في مغاور الجبال. إنما هي عبر وعظات بها ربتني جدتي وصوبت عودي كلما لمست به ميلاً وقومت اعوجاج غيري كلما اقتضت المواقف. إنها سبيكة ثقيلة من نفائس الفكر الشعبي انصهرت فيها كثير من ...
قراءة الكل
تلك قصص وحكايا جمعتها عن جدتي طوال سنين، لم تكن هته القصص من تلك التي يرويها الآباء للصبيان قبل النوم أو من تلك التي يتسامر بها القرويون حول موقد الشتاء في مغاور الجبال. إنما هي عبر وعظات بها ربتني جدتي وصوبت عودي كلما لمست به ميلاً وقومت اعوجاج غيري كلما اقتضت المواقف. إنها سبيكة ثقيلة من نفائس الفكر الشعبي انصهرت فيها كثير من حكمة العامة البسيطة وهي كنز عظيم من النظر الراشد والبصيرة النافذة وهي بوتقة متدفقة بالكياسة والعرفان المتواتر أباً عن جد. إنها بالآخر خير كتاب يتكون بين صفحاته المرء لأنها مدرسة الحياة والتجارب، مدرسة القهر والعذاب اللذين داما طبيعة ثانية عند ضعفاء الأمة. هته الحكايات إرث السنين المثقلة بمزود الزمن، مزود ألقى فيه كل جيل ممَ أبدعته مخيلته من عجيب وممَ بلورته فصاحته من بيان وممَ ولدته أيامه من تقدير، إنها مرآة صقلها كل بنو عهد بمصقالهم الخاص فأضحت معيناً لا ينضب من الفكر العميق مع بساطته الثاقب مع نعومته. معظم هته السوالف أساطير وأحاج من ماضي شعبي الغابر ومن ثقافة وطني التليدة وبها أيضاً كثير منَ عايشته جدتي بين الفلاحين وأهل القرى لاسيما أولاء النسوة المغيبات خدورهن بين جهل وشقاء. أحببت هته القصص كثيراً فتمنيت لو أقاسمها غيري من إخوتي في الوطن العربي والإسلامي العزيزين فأتجاوزهما إلى أبناء الإنسانية إن هي وجدت بين أفرادها قبولاً حتى يتسنى للجميع أنَ في بلدي الجزائر ثروة وأدباً وحضارة لا تزال بكرا لم تطمث مع انها بلغت عذراء تنتظر كشف البرقع عن حسنها وبهائها.