لقد أثار الصراع الدائر في الجزائر ومنذ أكثر من سبع سنوات، الذي راح ضحيته الآلاف من الأرواح البريئة، الكثير من التساؤلات المحيرة، عن تلك المحنة التي غاصت فيها دولة المليون شهيد والنفق الذي انحشرت فيه كل الأطراف المتصارعة، وبدأت تحصد بعضها البعض بدون تمييز، وتلاشت في السنوات الماضية كل الأصوات الخيرة أمام زحمة العنف الدامي، وغلبت ...
قراءة الكل
لقد أثار الصراع الدائر في الجزائر ومنذ أكثر من سبع سنوات، الذي راح ضحيته الآلاف من الأرواح البريئة، الكثير من التساؤلات المحيرة، عن تلك المحنة التي غاصت فيها دولة المليون شهيد والنفق الذي انحشرت فيه كل الأطراف المتصارعة، وبدأت تحصد بعضها البعض بدون تمييز، وتلاشت في السنوات الماضية كل الأصوات الخيرة أمام زحمة العنف الدامي، وغلبت لغة القتل والتدمير على لغة الحوار الوتفاهم بين شعب واحد يستند إلى المروث العربي- الإسلامي الثري بقيمه وتقاليده. إنها محنة الدولة بكل مؤسساتها المدنية والعسكرية، التي لم تستطيع حل مشاكل الشعب الاقتصادية والاجتماعية، ولم تستطع أيضاً إحلال الأمن والاستقرار على الرغم من مكانتها العسكرية والأمنية القمعية، وإنها أيضاً محنة الجماعات الإسلامية بتياراتها وأحزابها وأجنحتها المسلحة التي عجزت عن ان تقول كلمتها الفصل في تغليب لغة الحوار على العنف وتجنب الإسلام والمسلمين التشويه والانحراف، واختلط الحابل بالنابل، حتى وصل الأمر إلى تشويه الإسلام وقيمه من خلال جماعات لا تمت إلى الإسلام والعروبة بأي صلة، ناهيك عن تلك الأصابع الخفية، الداخلية والخارجية التي ما فتئت تغذي هذه النار المشتعلة، وبشتى السبل، ومن خلال مختلف القنوات التي أحسنت توظيفها خدمة لمصالحها الضيقة والأنانية، وبهدف إعطاء صورة عن الإسلام بمنظار الإعلام الغربي، وتحليلات مراكز بحوثه، واستنتاجات حلقاته النقاشية، ونشراته الدورية التي هدفها تجسيم صورة "الخطر الإسلامي الأصولي" الزاحف على الشمال الغربي، وبالتالي فإن مهمة الجميع هو التصدي لهذا الخطر الأخضر الزاحف بعد أن اختفى "الخطر الأحمر" وحربه الباردة.انها فعلاً محنة الدولة (وبقية الأنظمة السياسية العربية معها) ومحنة الإسلام السياسي في الجزائر التي كانت أنموذجاً للتنمية والأمن الاجتماعي في القارة الإفريقية، ونسيجاً اجتماعياً أصيلاً في مكوناته السياسية والثقافية.وتأسيساً على ما نقدم، فإن هذه الدراسة سوف تتناول هذه الأزمة التي ما زالت شاخصة بمختلف جوانبها الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والسياسية – الدستورية، اضافة إلى أبعادها الخارجية، وما أفرزته من متغيرات جديدة لم تعهدها الجزائر من قبل لا سيما فيما يتعلق بالخارطة السياسية الوطنية حيث الأحزاب والتنظيمات المهنية والنقابية والتيارات السياسية الأخرى السرية أيضاً، ومعادلات اللعبة الانتخابية التي جاءت نتيجة للمسار الديمقراطي الذي أرسى تعددية حزبية أقرها الرئيس الشاذلي بن جديد تحت ضغط الأحداث ومنعطفاتها الحادة، لتأخذ أبعاداً أخرى في السنوات اللاحقة، مروراً بمحمد بو ضيلف واليامين زوال، وانتهاءاً بالرئيس عبد العزيز بو تفليقه الذي حاول منذ وصوله إلى السلطة أن يبني سياجاً آمناً يحمي الجميع، ولكنه يواجه الكثير من التصدعات. وإذا كانت هذه الأزمة قد كشفت منذ أسابيعها الأولى عن عدم قدرة الأنظمة السياسية على تقنين الحركات الإسلامية وإدخالها ضمن المسيرة الديمقراطية، ورفض التعايش معها، فإنها بالمقابل أدت إلى انزلاق بعض القيادات والحركات الإسلامية في لعبة سياسية معقدة ومتشابكة، هدفها تقديم نماذج سيئة وإدخال تلك التنظيمات السياسية في نفق مظلم من العنف الذي عزلها عن محيطها الاجتماعي وجعلها بالتالي هدفاً للمساومات، وتنافس المصالح، وعقد الصفقات التي لم تهدف في نواياها الخفية، إلا إلى تشويه هذه الحركات، ومرجعيتها الإسلامية المرتكزة على القرأن الكريم والسنة النبوية، وتقديم صورة مغايرة عن الحقيقة الجوهرية أمام الرأي العالمي من خلال ماكنة إعلامية ضخمة وسريعة التأثير.