في هذا الكتاب الموسوعي يأخذنا المؤلف ناصر الرباط في رحلة بصرية وهندسية ومعرفية صوب العمارة مانحاً إياه طبعين ومدارين : الأول هو ثقافة البناء. والثاني هو بناء الثقافة, في طموح لإرساء لبنة في بناء ثقافة العمارة في العالم العربي, في سياق وعي للذات ينبع من تجاربنا وتراثنا ومفاهيمنا الجمالية والفكرية والاقتصادية, مما يحقق التواصل بين...
قراءة الكل
في هذا الكتاب الموسوعي يأخذنا المؤلف ناصر الرباط في رحلة بصرية وهندسية ومعرفية صوب العمارة مانحاً إياه طبعين ومدارين : الأول هو ثقافة البناء. والثاني هو بناء الثقافة, في طموح لإرساء لبنة في بناء ثقافة العمارة في العالم العربي, في سياق وعي للذات ينبع من تجاربنا وتراثنا ومفاهيمنا الجمالية والفكرية والاقتصادية, مما يحقق التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل ويؤمن التناغم بين خصوصيتنا الحضارية وانتمائنا الإنساني.نبذة النيل والفرات:العمارة حقل معرفي مستقل؛ أي أن لها مجالاتها النظرية والمنهجية الخاصة التي ربما تتشارك مع المجالات المنهجية للنشاطات الثقافية الموازية لها من أدب وفن وهندسة وشعر وموسيقى ولكنها لا تتطابق معها تمام المطابقة بالنسبة إلى المحللين والدارسين المختصين بالعمارة. وللعمارة أيضاً ثقافتها التي هي جزء من الثقافة العامة ولبنة أساسية من لبنات بنائها كما هو حال غيرها من العناصر الثقافية المتعددة أي الثقافة بالمعنيين الأنتربولوجي والتاريخي للكلمة والذي يعني مجموعة التقاليد والعادات والمواقف الفكرية والعاطفية والهياكل المعرفية والتعبيرات والتركيبات الاجتماعية والتاريخ والذكريات المشتركة الحاصلة والمختلفة التي يتشارك فيها المعماريون ودارسوا العمارة ومؤرخوها جميعاً، والتي تحدد العمارة وتعرفها في إطار الثقافة التي تنتمي إليها كما تحددها وتعرفها في إطارهما المعرفي والمهني الخاص الذي يتجاوز حدود الثقافة الواحدة ليشمل التقاليد المعمارية الإنسانية جميعها في منظومة تاريخية متصلة منذ أن بنى إنسان الكهوف بيته الأول وإلى الوقت الحاضر. ويتبع ذلك بداهة أن للعمارة أيضاً تاريخها الذاتي، المستقل عن تواريخ المناحي الثقافية والفنية الأخرى والمتقاطع معها في الآن نفسه بحكم انتماء العمارة الأساسي للثقافة التي أنتجتها من جهة، ولتاريخ العمارة العالمية، متعددة الثقافات من جهة أخرى. هذا الازدواج الانتمائي، الذي تتشارك فيه العمارة وكل النشاطات الإنسانية الخلاقة الأخرى، هو المشكلة الرئيسية في مناهج دراسة العمارة كتاريخ وكفكر، إذ كيف يمكن التوفيق في تحليلها وفهمها بين انتمائها الثقافي الخاص والمحدود زمانياً ومكانياً وانتمائها المهني والفكري العالمي الأبعاد والاتجاهات.هذه المعضلة الانطولوجية المعمارية هي ما حاول الباحث التعبير عنه في عنوان كتابه "ثقافة البناء وبناء الثقافة" كمحاولة لاشتقاق تركيب يحمل في طياته الثنائية الانتمائية التي تثري العمارة وتعقدها في آن واحد إذ تمنحها شخصيتين وطبعين ومدارين. فثقافة البناء، أو العمارة ككل، هي سياج هويتها المهنية والفكرية ومحيطها المعرفي والدلالي والترميزي الخاص، بالإضافة إلى كونها ذلك الجزء المنتمي للثقافة القومية أو الوطنية أو الحضارية الأوسع منها والذي تمثله العمارة فناً ووظيفة وتاريخاً وهندسة وتعبيراً ورمزاً. وأما ما يرمي به الباحث من مدلول عنوانه "بناء الثقافة" فهو الإشارة إلى دور العمارة في تكوين الثقافة. فبناء الثقافة يتم عن طريق التعرف إلى مكوناتها، والعمارة منها بكل تنويعاتها وثرائها وتعقيدها وتفاعلها مع بعضها البعض، ومن ثم طرحها أمام الأفراد المهتمين لدرسها وتحليلها واستيعابها ونقدها وتمثلها.وهذا هو بيت القصيد من هذا الكتاب الذي يطمح الباحث أن يكون لبنة في بناء ثقافة العمارة في العالم العربي. والكتاب عبارة عن مجموعة من البحوث والمقالات عن تاريخ ونقد العمارة جمعت وفق خمسة أقسام تبعاً لمواضيعها ومناهجها. القسم الأول "العمارة والنقد التاريخي" يشمل سبعة بحوث نقدية، ديدنها المراجعة التاريخية والنقد المنهجي والنظري في سبيل رؤية أوضح وسبر أعمق لظواهر مهمة في التاريخين العربي والإسلامي.أما القسم الثاني "العمارة ودلالاتها الثقافية والبيئية" فهو يحتوي على خمسة بحوث نظرية. أما القسم الثالث "الدور التاريخي للعمارة" فهو يضم ستة مقالات تسعى إلى تحليل وفهم نماذج معمارية تاريخية مهمة من التراث العربي وتحاول من خلال هذه النماذج إغناء فهمنا لتاريخ العصور التي أنتجتها وتلك التي أدخلتها في تراثها. القسم الرابع "آراء في الترميم وحكاية المدن التاريخية" يركز على سؤال عملي واحد: ما الذي يمكن أن نفعله لحفظ مدننا التاريخية القديمة من دون أن نفرغها من سكانها ونحولها إلى متاحف في الهواء الطلق. أما القسم الخامس فهو عبارة عن ستة مقالات تتناول مواضيع متنوعة تتراوح في فحواها بين ذكريات طفولة وانطباعات سفر وملاحظات عن أشخاص. وعليه فقد أعطاها الباحث هذا القسم عنواناً هو "انطباعات من وحي العمارة".