ان الحرية والديمقراطية اللتان كانتا على رأس ما دعا اليه دعاة النهضة الذين اعتبروا كل مظاهر حياة الامة تخلفا وجعلوا الحياة الاوروبية هي معيارهم في الحكم هذا وهي الهدف الذي يسعون لتحقيقه، هل كانتا فعلا مما تتمتع بهما الشعوب الاوروبية؟ و السؤال يجيب عليه ما كان يحدث في اوروبا بشكل عام وفي فرنسا بشكل خاص من فضائح باسمها مما جعل احد ...
قراءة الكل
ان الحرية والديمقراطية اللتان كانتا على رأس ما دعا اليه دعاة النهضة الذين اعتبروا كل مظاهر حياة الامة تخلفا وجعلوا الحياة الاوروبية هي معيارهم في الحكم هذا وهي الهدف الذي يسعون لتحقيقه، هل كانتا فعلا مما تتمتع بهما الشعوب الاوروبية؟ و السؤال يجيب عليه ما كان يحدث في اوروبا بشكل عام وفي فرنسا بشكل خاص من فضائح باسمها مما جعل احد اكبر دعاة الحضارة الاوروبية (والفرنسية بشكل خاص) وهو نجيب عازوري يقول: مشيرا الى المذابح الطائفية: (ان حكومة فرنسا قالت لاشقياء باريس - يحل لكم نهب بيوت الاغنياء الكاثوليك في المدينة واغتصاب نسوتها وفتياتها - وتصبح العاصمة الفرنسية بالتالي مسرحا لفضائح ارمينيا و تتجدد الفضائح نفسها في مدينة النور بعد ستة اشهر، ليمنح الافراد الحرية نفسها ضد البروتستانت). هل النهضة العربية هي حقيقة أم وهم؟!! ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال، وإنما هذا يقتضي دراسة مطولة استغرقت الباحثة قراة متأنية للفكر النهضوي من خلال مفكرين مثلوا طليعته.تنطلق الباحثة من هاجس يتعلق بالنهضة العربية جوهرها مصداقيتها أسس وتطلعاتها وإستقلاليتها الذاتية بما يتفق أو يتختلف مع كينونة الأمة العربية الإسلامية ومقوماتها، محاولة لفت نظر القارئ والباحث إلى المعنى الحقيقي للنهضة بصورة عامة، وللنهضة العربية على الأخص، وهي تقول بأننا أن كنا نقصد بالنهضة ذلك الشعور الذاتي بأن حال الأمة، وفق معيار معين، ليس كما يجب أن يكون، والعمل على إصلاح الخلل والنهوض بالأمة للكمال المطلوب، فإن الأمة لم تكن في يوم من الأيام في سبات أو تعود كما حاول ويحاول البعض تأكيده، كما لم تكن في يوم من الأيام في جامدة من غير حراك.فالأمة عبر العصور، ومنذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام وحتى القرن التاسع عشر! كانت في حركة مستمرة للتعبير والتطور، منها تغييرات أحدثتها الرسالات السماوية، ومنها وأحدث بإرادة البشر من المصلحين والداعين إلى الغير كما اختاره الله تعالى لهم، مضيفة بأنه وإذا كان الأمر المتعين من تاريخ الأمة ونهضتها هو حصراً تلك الفترة التي بدأت بالدعوة الإسلامية ونزول الرسالة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنها هي الأخرى شهدت من النكسات التي أعقبها نهضات ما لا حصر له، فما إن كانت تشيخ دولة إسلامية أو تتخلف حتى تنهض أخرى تستلم منها زمام مسلمين وتقودهم إلى حال أفضل وعزة أكبر، معتمدة مقومات الأمة ذاتها وعقيدتها الإٍسلامية.هذه العقيدة التي جعلتها تصمد أمام هجمات الأعداء قروناً طويلة، وليس ذلك فقط، بل إنها حولت بعض هزائمها إلى إنتصار، كما حدث مع الغزاة المغول المنتصرين، والذين تحولوا بفضل هذه العقيدة إلى دعاة يذودون عنها.فمسألة السبات الذي أعقبته نهضة لم تراها الباحثة، وكلما تأملت أكثر فأكثر في ما كانت عليه حال الأمة وما صارت إليه اليوم، إلا خرافة لفقتها الدول الأجنبية الطامعة، وتلفقتها أفواه وأقلام كتابها، ومن ثم أفواه وأقلام دعاتها من الكتّاب العرب والمسلمين.إنطلاقاً من هذه الرؤية مضت الباحثة في إستجلاء العوامل التي ساهمت في تكون تلك الأفكار التي كرست مصطلح عصر النهضة العربية، فكان لا بد لها من قراءة تاريخية جغرافية ثقافية وإجتماعية لإستجلاء المناخات الفكرية التي سادت في تلك الفترة، وتمحورت قراءتها البحثية هذه حول ثلاثة مواضيع أساسية ضمن ثلاثة أبواب دار الأول منها حول موضوع النهضة العربية ودور حركة الإصلاح الديني.واقتضى ذلك البحث في زمن النهضة وأسبابها (هدف أوروبا، الضغط الخارجي ووسائله، الحروب والضغط العسكري، المشاريع والضغوط الإقتصادية) وكيفية الإعداد لها (المدارس الأجنبية والإرساليات التبشيرية، البعثات، الجمعيات والأحزاب، الصحف والمنشورات) ثم الإصلاح الديني (الأفغاني، ودفاعه عن الإسلام، وموقعه بين الجامعة الإسلامية والجامعة العربية، محمد عبده والتربية، وأّهدافه من الثورة العربية...).لتنتقل من ثم إلى الموضوع الثاني الذي تم فيه البحث في الشعارات النهضوية التي سادت ثم بادت من مثل شعار: الحرية (الطربطاوي، أديب اسحق، خير الدين التونسي، الأفغاني، محمد عبده، قاسم أمين)، التحرر من اللغة والتحرر الخلقي)، الديمقراطية، الإشتراكية، فصل الدين عن الدولة، الثورة والثورية، ثم وأخيراً ثم تخصيص الباب الثالث لمحاكمة فكر النهضة الذي تم تحديد سماته: الإنبهار، التقليد في مجالات: الفن، الأدب، القوانين، التربية، الإقتصاد، السياسة، الدين، التراث، المصادر، والنماذج.مبينة، وإلى هذا، التبرير الذي استعمل لهذا المنحى في التقليد ومن ثم لتكشف عن التناقض الذي وقع فيه هذا التقليد وعن لاعقلانية، وبأنه كان ومن منطلق اللحاق بالركب والحضارة غارقاً بالسطحية، ولا يملك أي معيار في ذلك ولا حتى أية مسؤولية، ولتكشف أيضاً عن الفجوات التي أحدثتها هذه النهضة أدائها أحدثت فجوة بين الحاكم والمحكوم، وبين المفكر والعامة، كما وعلى النطاق الأسري أحدثت هذه النهضة فجوات ضمن الأسرة بل وحتى داخل الإنسان ذاته، كما أنها كرست التبعية ونشرت الإرهاب وشكلت عاملاً من عوامل الإفساد وشوهت المفاهيم ونشرت الكسل والتواكل والإحباط، وساعدت على إنتشار الهدر والإسراف في المال العام والخاص.كل ذلك حاولت الباحثة إستقصائه من خلال دراسة موضوعية بمقدورها تبين ملامح وسمات هذه النهضة العربية وفيما إذا كانت حقيقة أم وهماً!!!.