"جاحدة بكل أعراف المدينة بعد ما اختنقت بضيق كلماتها ستكتب مريم يوماً في روايتها التي سيزين صفحاتها الأولى اهداؤها لذكرى فارسها بعدما سقط منكسراً، وتهاوت ملامح وجهه كعشبة صفراء في تجويف الغياب: "لا شيء سيحدث في الحياة أو سيتغير في كينونتها حينما تفقدك من تحب، وتغيب أمطاره عن دنياك، عدا أن ذلك يعني أن تنفتح شرفاتك الوردية الممسوسة...
قراءة الكل
"جاحدة بكل أعراف المدينة بعد ما اختنقت بضيق كلماتها ستكتب مريم يوماً في روايتها التي سيزين صفحاتها الأولى اهداؤها لذكرى فارسها بعدما سقط منكسراً، وتهاوت ملامح وجهه كعشبة صفراء في تجويف الغياب: "لا شيء سيحدث في الحياة أو سيتغير في كينونتها حينما تفقدك من تحب، وتغيب أمطاره عن دنياك، عدا أن ذلك يعني أن تنفتح شرفاتك الوردية الممسوسة بالحلم والأمنيات على هاوية الجحيم، ومتاهات فراغها، وخواء أمكنتها، وتصبح آفاقك في مهب الموت والأعاصير خرقة تتقاذفها الثواني وتفترسها الوحوش، لترمي بها مهشمة في صمتها كقيثارة دافئة همدت تراتيلها، وجفت عند باب الصمت ألحانها الحزينة... فقط حينما نكاد أن نسقط روحاً هامدة عند عتبات انهيارنا، يأتينا الحب فجأة كجوقة من الألحان تجتاح خلايانا، لتدفق ملائكتها ملء أحاسيسنا وملامحنا، وترسم أنفاسنا لحناً عربياً شامخاً، وأعماقنا فردوساً من العبادة والخشوع والإبتهالات، لكننا حينما نفقد من نحب تقفر أعماقنا وتسوّد بياضاتها، وتصبح الحياة داخلنا أشد خواءً وقفراً، وترتسم المدن والشوارع أمام نظراتنا ظلالاً شاحبة تتقرح أضواؤها، وتصفّر طرقاتها ونخيلها وأمواجها ومنازلها كزنبقة سحقتها الحياة في مسافات شاسعة ميتة لتبقى الوحشة ريحاً جافة تصفر في زواياها وتكفهر رائحتها المنذورة للبومة العمياء والوطاويط ذات الرؤوس المهشمة"... لحظة أن دخلت مريم منزلها وخبأت ملامحها في أضواء غرفتها الصّفراء الخافتة بعد ما اقترف فارسها فضيحة هذه المدينة التي جسّدت قسوتها ولعنتها في ملامح آخر ضحية شيعتها في ذلك المساء. ركنت لمخيّلتها التي تحفزت بغتة كشهوة مراهقة أو كاللحظات الأخيرة تنشج في أنفاس محتضر... إستجابت نبضاتها لرائحة وأحاسيس ما انفكّت تشعل في آفاقها حنينها لملامح سبحان، وكلماته الحزينة التي إستقرّت في ذاكرتها سفراً مقدّساً وأسطورة غريبة، فتهيّأت أعماقها منذ تلك الليلة لتكوّن ملامحه بؤرةً تضيق فتضيق حينما تفيض عنها عذاباتها، وتطفو على جسدها خرق جراحاتها وأحزانها...".حكاية فارس كان شامخاً كسنديانة في مسافة بين العتمة والفراغ. إغتالت هذا الفارس يد القسوة الممتدة من عادات وتقاليد مجحفة ومن نظام سياسي يعتقل الفكر والروح. يعيش سبحان مع مريم قصة عاطفية نقية إلا أنها انتهت بعدما وضع سبحان حدًّا لحياته بعد أن بات معتقلاً وقد حكم عليه بالسجن لإخلاله، زوراً، بأمن الوطن. يأخذ الروائي القارىء ليغوصا معاً في قصص جانبية للكشف عن تلك العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع السعودي والتي تجعله رهين ممارسات خاطئة تقود جيلاً بأكمله إلى دروب الهلاك.