يكاد لا يخلو حديث بين طرفين، كحديث عتاب، أو محاولة التوفيق بين زوجين، أو مواساة في مصاب، أو التوجيه في سوء مغبة الجور على مستضعفين... من تضمين الحديث مثلاً، أو عدة أمثال. إن ضرب المتكلم الأمثال هو محاول منه لدعم حديثه، والتدليل على صواب رأيه، وبالتالي لإقناع محدثه، بمصداقية ما يقول.وليست كل الأمثال بمثابة حكم، فالحكم ما نطق بها ...
قراءة الكل
يكاد لا يخلو حديث بين طرفين، كحديث عتاب، أو محاولة التوفيق بين زوجين، أو مواساة في مصاب، أو التوجيه في سوء مغبة الجور على مستضعفين... من تضمين الحديث مثلاً، أو عدة أمثال. إن ضرب المتكلم الأمثال هو محاول منه لدعم حديثه، والتدليل على صواب رأيه، وبالتالي لإقناع محدثه، بمصداقية ما يقول.وليست كل الأمثال بمثابة حكم، فالحكم ما نطق بها حكيم، صقلته تجارب الحياة، حلوها ومرّها، ورانت على تصرفاته أخلاق رفيعة، وهيمن على تفكيره عقل راجح ورأي صائب. فهو مرشد وموجّه وناصح أمين، والحكمة ضالة المؤمن من أين وجدها التقطها.والأمثال بمجملها، هي صورة للمجتمع، مرآة لأخلاق الناس، لعاداتهم وتقاليدهم وتجاربهم. وصدى لمعاملاتهم بعضهم مع بعض. وقد قيلت في مناسبات، فاستحسنها سامعوها فرددوها لإصابتها المعنى، ولحسن التشبيه فيها، وما لبثت أن أصبحت على كل لسان.لقد كانت الأمثال متنفساً للناس، كانت بمثابة جريدة للشعب، يوم كانت الأمية هي الغالبة المتفشية في صفوفه. يتداولها الناس وكأ،÷ا قوانين غير مكتوبة. والمثال، شأنها شأن الناس، يولد منها الجديد تمشياً مع الأحوال الاجتماعية المستجدة، ويموت بعضها لزوال دواعي استعمالها.والأمثال أخيراً، هي وثائق شفوية لتاريخ الأجداد وتقاليدهم وأعرافهم، وعلى ذلك، تبقى أمانة في أعناق الأحفاد، عليهم الحفاظ عليها، ومن هذا المنطلق جاءت ضرورة تسجيلها قبل أن يعفى عليها النسيان.وفي هذا الإطار جاء الكتاب الذي بين يدينا والذي حاول فيه المؤلف جمع الأمثال الشعبية الدارجة في دمشق، منتهجاً في جمعها أسلوباً مغايراً لما سارت عليه أغلبية من طرقوا باب تسجيل أمثال مدنهم وأمصارهم، حيث سجلوا في كتبهم الأمثال وفق تسلسل الأحرف الهجائية.على سهولة هذا المنهج وانسجامه مع قواعد التصنيف عامة، إلا أنه يفتقر إلى وحدة الموضوع. فالأمثال المتعلقة بـ"الزواج" مثالاً موزعة بحسب أحرف بداءاتها في شتى صفحات تلك الكتب. فإذا شاء أي امرئ أن يقف على ما كتب من أمثال في هذا الموضوع، كان عليه أن يتحرى ما فيها صفحة صفحة، وفي هذا ما فيه من مشقة وتشتت.لذا فقد فصل اختراق ذلك الأسلوب، حيث قام بتصنيف الأمثال بحسب مواضيعها. فجميع ما لديه من أمثال يشمل مواضيع: حب، حظ، حكم/ حماية، حيوانات، وهكذا.وفضلاً عن التصنيف بحسب المواضيع التي سبق ذكره، فقد أنشأ مجموعات من الأمثال بمواضيع خاصة، فيها كثير من المتعة والتشويق، في محاولة فيه إدخال المرح إلى نفس القارئ وهي: 1-أمثال شعبية منحرفة أخلاقياً. 2-أمثال شعبية مضحكة. 3-أدعية شعبية. 4-شتائم شعبية. 5-أمثال عن الطقس. 6-أمثال تبدأ بلفظ التشبيه (مثل). 7-أمثال تتعلق بـ(جحا). 8-طرائف عن المغاربة. 9-مجموعة مختارة من الشعر الذي ذهب مذهب الأمثال.وزيادة في إمتاع القارئ فقد اعتنى بتسجيل المثل بلفظه الشعبي أولاً، ثم أتبعه باللفظ الفصيح ثانياً، لتسهيل قراءة الأول. وقد بذل عناية خاصة في إيضاح عصيّ ما جاء في المثل، وفي التعليق عليه، بأسلوب يغلب عليه الإيجاز.