تعد دراسة "البنوك الإسلامية والمنهج التمويلي"، بمثابة إطار للعملية التمويلية داخل البنوك الإسلامية، وقد يرجع السبب في القيام بهذه الدراسة إلى عاملين أحدهما قديم والآخر حديث، أما الأول منهما، فيتعلق بأن الكثيرين من المهتمين بأوضاع البنوك يدَّعون بأنه لا فرق في عملية التوظيف بين البنوك الإسلامية التي تنتهج صيغ تمويلية إسلامية من ج...
قراءة الكل
تعد دراسة "البنوك الإسلامية والمنهج التمويلي"، بمثابة إطار للعملية التمويلية داخل البنوك الإسلامية، وقد يرجع السبب في القيام بهذه الدراسة إلى عاملين أحدهما قديم والآخر حديث، أما الأول منهما، فيتعلق بأن الكثيرين من المهتمين بأوضاع البنوك يدَّعون بأنه لا فرق في عملية التوظيف بين البنوك الإسلامية التي تنتهج صيغ تمويلية إسلامية من جهة، وبين البنوك التجارية التي تسير على أساليب أو صيغ الإقراض من جهة أخرى، وأن كليهما يتعامل مع عملائه وفق أسعار الفائدة . وأما العامل الثاني فهو ظهور الأزمة المالية العالمية في الخريف الماضي (2008)، والتي عصفت ببعض البنوك العالمية الكبرى في الغرب والشرق، وفي مقدمتها بنوك الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، وتأثرت تبعا لذلك البورصات المالية وصناديق الاستثمار، تأسيسا على تعاملاتها المصرفية والمالية على أسعار الفائدة، في الوقت الذي لم تتأثر به البنوك الإسلامية في جميع دول العالم ومن بينها البنوك الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية التي لا تتعامل بالفائدة آخذاً أو إعطاءً، وعليه ظهرت أصوات وكتابات لبعض المفكرين والاقتصاديين في الغرب تنادي بضرورة النظر في تعاليم القرآن الكريم والشريعة الإسلامية الغراء لاستجلاء سبب عدم تأثر البنوك الإسلامية بهذه الأزمة المالية التي مازالت تُنتج آثاراً يوماً بعد آخر وتنذر ببوادر كساد عالمي رهيب . ومن منطلق أن الشريعة الإسلامية الغراء، قد أعطت لنا منذ البداية، أن الحل في البيع بما يعني امتزاج عنصري الإنتاج (رأس المال والعمل) والحرمة في الربا والاعتماد على الزيادة المشروطة (الفائدة) والذي يؤسس ويعتمد على عنصر (رأس المال فقط)، وذلك تطبيقا لقوله تعالى "وأحل الله البيع وحرم الربا" الآية 275 سورة البقرة . لذا كان من الواجب على المسلمين توضيح منهج التمويل أي كيفية توظيف الأموال داخل البنوك الإسلامية من خلال الصيغ التمويلية التي وردت في كتب الفقه الإسلامي في مجال المعاملات المالية الشرعية، والتي أوضحها لنا الأئمة العظام أمثال أبي يوسف وتلميذه أبا حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل، وابن تيمية من المتقدمين، وابن عابدين، ومحمد رشيد رضا من المتأخرين رضوان الله عليهم جميعا. وغني عن البيان أن التوضيح لكيفية توظيف الأموال وفق صيغ التمويل الإسلامية داخل البنوك الإسلامية، يُبين للباحثين من المسلمين وغير المسلمين الفرق بين أساليب التمويل في البنوك الإسلامية والبنوك التجارية، ومن ثم التسليم بأن هناك فرق في كيفية توظيف الأموال داخل كل منهما، إذ أنهما لا يعملان في إطار فكر واحد . ولذا كان من الواجب علينا في هذه الدراسة، الأخذ بأسلوب متدرج لبيان المراحل التي تمر بها عملية التمويل في البنوك الإسلامية، والتي تتميز بأنها متداخلة في بعضها البعض وذلك من خلال سبعة فصول، يبدأ أولها، بدراسة "الحاجة إلى التمويل المصرفي"باعتبارها مرحلة سابقة وتمهيدية لتوجه العميل إلى البنك، وذلك وفق مبحثين الأول منهما، يتناول : "الحاجة التمويلية وأنواعها وكيفية إشباعها"، وأما الثاني فيتضمن "دراسة حاجة العملاء إلى التمويل المصرفي" وكذا صيغة القرار التمويلي في البنوك الإسلامية . وفي الفصل الثاني، تم دراسة "دور الاستعلامات في البنوك" وذلك عن طريق مبحثين، أولهما يحتوي على بيان "متطلبات الاستعلام"، وثانيهما يتضمن "أعمال إدارة الاستعلامات في البنوك". أما الفصل الثالث، تناولت فيه الدراسة "معايير التمويل داخل البنوك الإسلامية"، وذلك وفق ثلاثة مباحث، الأول تضمن "معايير التمويل ذات الصلة بالعميل طالب التمويل"، أما الثاني، فيشتمل على توضيح "معايير التمويل ذات الصلة بالمنشأة (المشروع)" وهي المعايير المادية والمعايير التمويلية، ثم أخيرا المبحث الثالث، والذي يحتوى على بيان "المعايير الشرعية والعقائدية والاقتصادية والاجتماعية الحاكمة للتمويل في البنوك الإسلامية" . وفي الفصل الرابع، تم تناول دراسة التحليل المالي للمنشآت الراغبة في التمويل من البنوك الإسلامية، وتوضيحه وفق ثلاث مباحث، الأول، تم فيه "توضيح دور تحليل القوائم في الحكم على جدارة العميل التمويلية (الائتمانية)"، والثاني، اشتمل على إطار "القوائم الإضافية المطلوبة لأغراض التحليل المالي"، والثالث، احتوى على بيان "دور النسب المالية في التحليل المالي وأنواعها ومشكلاتها". أما في الفصل الخامس، فلقد تناول دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروعات الاستثمارية طالبة التمويل بالصيغ الإسلامية، عن طريق أربعة مباحث، تسبقها بعض المفاهيم المرتبطة بدراسة الجدوى عموما، وأول هذه المباحث، انصب على "دراسة السوق والجوانب الفنية والتنظيمية للمشروعات"، وثانيها، تناول "الدراسة المالية والاقتصادية للمشروعات"، أما ثالثها، تضمن دراسة "الربحية القومية للمشروع"، وأخيرا اشتمل المبحث الرابع، على بيان "مدى ملائمة معايير تقييم المشروعات للعمل بها داخل البنوك الإسلامية" . وفيما يتعلق بالفصل السادس، فقد انصبت فيه الدراسة على "صيغ التمويل الإسلامية" من خلال مقدمة وأربعة مباحث، تناول المبحث الأول، "الإطار النظري لصيغ التمويل الإسلامية (الأسس الشرعية الحاكمة لها)"، واشتمل المبحث الثاني، على "كيفية تنفيذ الصيغ التمويلية والأسس الرياضية الحاكمة لها"، كما تضمن المبحث الثالث، بيان "الإطار المحاسبي لصيغ التمويل في البنوك الإسلامية، وأخيرا المبحث الرابع، الذي أوضح مخاطر التمويل الإسلامي في ظل معايير لجنة بازل (2)" . وفي النهاية تضمن الفصل السابع، متابعة تنفيذ عمليات التمويل بالبنوك الإسلامية، حيث تفرعت الدراسة في هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث، الأول، تناول "متابعة كيفية استخدام العميل لعمليات التمويل المصرفية"، والثاني، احتوى على دراسة "الآثار القانونية لعدم انتظام العميل في سداد عمليات التمويل المصرفي"، أما الثالث، فقد تناول "الديون المتعثرة ومحاولة علاجها في البنوك الإسلامية" . والملاحظ لعملية متابعة تنفيذ العمليات التمويلية في البنوك الإسلامية يجد أنها لا تختلف في أدواتها أو طريقة علاجها عن مثيلتها في البنوك التجارية أو التقليدية، باستثناء طريقة احتساب فوائد التأخير في البنوك التجارية، وتعويض الضرر الناتج عن التأخير في السداد في البنوك الإسلامية، فضلا عن إعمال قاعدة إمهال المدين المُعسر، والتجاوز عن دينه متى أثبتت عمليات التحري والاستعلام عدم وجود مورد للسداد أو أصول يملكها العميل المدين . هذا وقد اعتمدت الدراسة في هذا الكتاب على المناهج العلمية التالية : 1- المنهج الوصفي : والذي يهدف إلى جمع الحقائق والبيانات حول ظاهرة معينة، ثم القيام بتحليل هذه الحقائق أو البيانات تحليلا دقيقا، وتفسيرها تفسيرا كافيا لاستخلاص الدلالات والنتائج من أجل الوصول إلى تعليمات بشأن المواقف أو الظاهرة محل الدراسة للاستفادة والاستزادة بها مستقبلا .2- المنهج المقارن : استخدم هذا المنهج للمقارنة بين جوانب التشابه والاختلاف بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية أو التجارية في بعض الأحوال، من أجل معرفة المنهج الصحيح الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده في مجال المال والتجارة.3- المنهج الرياضي : تم استخدام هذا المنهج، لإيضاح كيفية احتساب هذه العمليات التمويلية داخل البنوك الإسلامية، من خلال المعادلات والمعلومات الرياضية، وذلك بغرض تعريف الراغبين في معرفة العمل المصرفي الإسلامي وكذا الرد على المتشككين في هذا العمل، بأن هناك إطاراً رياضياً وبالتالي محاسبيا يحكم عمليات التمويل داخل البنوك الإسلامية، ومن ثم يتبين الفرق بين هذه البنوك والبنوك التجارية في مجال التوظيف أو التمويل من خلال أساليب التمويل لدى كل منهما . هذا ويمكن إيجاز ما ورد بهذه الدراسة بأنها محاولة جديدة لبيان "منهج التمويل في البنوك الإسلامية"، وفي ذات الوقت متواضعة، لتوضيح مراحل عملية التمويل وتوظيف أموال هذه البنوك وفق صيغ التمويل الإسلامية، وما يسبقها من معرفة الحاجة إلى التمويل من قِبَل العميل، وهل هناك ضرورة لطلب التمويل من عدمه ؟ ولقد تم وضع أمثلة توضيحية كلما كان هناك ضرورة لذلك، وبصفة خاصة، عند بيان الأسس الرياضية لصيغ التمويل الإسلامية (المضاربات – المشاركات – المرابحات – التأجير التمويلي بيع السلم – بيع الاستصناع) وكذا بيان الإطار المحاسبي المرتبط بهذه الصيغ ، وفي نفس الوقت إيجاد دراسة مختصرة للجدوى الاقتصادية للمشروعات، وتوضيح ذلك عن طريق مثال مبسط على هذه الدراسة، حتى يكون ذلك ردا كافيا ووافيا على كل من يُشكك في تجربة البنوك الإسلامية، والتي أصبحت في الوقت الراهن واقعا معاشا وفاعلا، مع عدم النسيان لتأثر هذه البنوك بمقررات لجنة بازل (1)، (2) سواء الآثار السلبية أو الإيجابية والمتعلقة بصفة خاصة بالتأثير على صيغ التمويل الإسلامية، وأخيرا تم إيضاح كيفية متابعة الديون بنوعيها (المشكوك في تحصيله والمعدومة) وآثار الديون المتعثرة وكيفية تلاشيها، بالإضافة إلى وضع ملاحق بنهاية الكتاب، استكمالا لما ورد بمتن الكتاب . ولقد طلبت من الله سبحانه وتعالى طوال هذه الدراسة أن يوفقني إلى بيان أسس "المنهج التمويلي في البنوك الإسلامية" راجيا منه عز وجل التوفيق والسداد .