نبذة النيل والفرات:الرُّبط جمع كثر للرباط، وجمع القلة هو "الأربطة". والرباط في الأصل مصدر الفعل "رابط" أي غالب غيره في الرّبط. وقد أطلق الرباط من مبدأ الإسلام على رباط الخيل، ومنه أخذت المرابطة أي ملازمة ثغر العدو، بارتباط الخيل في الغالب للغزو أو الدفاع، وهي بالبداهة مغالبة للعدو في ربط الخيل، وفي القاموس "والمرابطة أن يربط كل ...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:الرُّبط جمع كثر للرباط، وجمع القلة هو "الأربطة". والرباط في الأصل مصدر الفعل "رابط" أي غالب غيره في الرّبط. وقد أطلق الرباط من مبدأ الإسلام على رباط الخيل، ومنه أخذت المرابطة أي ملازمة ثغر العدو، بارتباط الخيل في الغالب للغزو أو الدفاع، وهي بالبداهة مغالبة للعدو في ربط الخيل، وفي القاموس "والمرابطة أن يربط كل من الطرفين خيولهم في ثغره، وكل معدّ لصاحبه، فسمي المقام في الثغر رباطاً. وكانت الربط في أكثر الثغور الإسلامية التي كان عدوان الأعداء متوقع النفوذ منها، فهي تتغير بتغير الدول والأزمان، وتعاقب الزيادة والنقصان، هذا هو الرباط القديم بمعنييه الأصلي والاصطلاحي، وكانا من مستلزمات الإسلام في الغزو والدفاع، فذهب هذان المعنييان في الشرق، وصار الرباط إلى معنى "خانقاه" و"خانكاه" بالفارسية وصارت المرابطة إلى عبادة الصوفية وتزهدهم، فالخانقاه دار لسكنى المتصوفة، وجاء في مناقب النشقبندية "الخانقاه فارسية بمعنى الزاوية أي الخانقاه خارج المدن". هذا وإن دور العبادة والزهد هذه والتي كانت تسمى بالعراق وبعض الأقطار الإسلامية "الرُّبُط" لم تكن دوراً مقصوراً على التعبد والزهد؛ بل كانت أيضاً مواضع للتأليف والتصنيف والإقرار والتثقيف، والإجازة، والمحاضرات، وقد عنيت جماعة من أهل التحقيق والبحث بتاريخ التربية والتعليم والتهذيب والتثقيف في الإسلام، وقد فصلوا القول في متعاهد التعليم وتطورها وكتبوا في أثر المساجد والمدارس والكتاتيب، وغفلوا عن تلك المعاهد الثقافية (الربط) التي كان لها أثر جميل في تنمية الثقافة في أضرب من ضروبها، وفي نشرها في العالم الإسلامي وتلك المعاهد، من هنا جاء هذا البحث لبيان دور الربط الصوفية وأثرها في الثقافة الإسلامية متخذاً نموذجاً هو الربط الصوفية البغدادية، وإذ يتحدث المؤلف عن ربط بغداد، إنما يذكر أنموذجاً لما هو في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، منذ أواسط القرن الخامس إلى القرون المتأخرة.