أعدّ المؤلف هذه الدراسة تحت عنوان: "الأدباء والمفكرون وعلاقتهم بالسلطة في عهد بني بويه". وقد نال عنها شهادة دكتوراه الدولة من جامعة تونس الأولى بملاحظة مشرّف جداً. وقد جاءت هذه الدراسة بمثابة مساهمة للباحث في تفسير العديد من الظواهر الحضارية التي عاشتها وتعيشها مجتمعاتنا العربية الإسلامية. حيث رأى أنها من أهم المسائل التي ينبغي ...
قراءة الكل
أعدّ المؤلف هذه الدراسة تحت عنوان: "الأدباء والمفكرون وعلاقتهم بالسلطة في عهد بني بويه". وقد نال عنها شهادة دكتوراه الدولة من جامعة تونس الأولى بملاحظة مشرّف جداً. وقد جاءت هذه الدراسة بمثابة مساهمة للباحث في تفسير العديد من الظواهر الحضارية التي عاشتها وتعيشها مجتمعاتنا العربية الإسلامية. حيث رأى أنها من أهم المسائل التي ينبغي العناية بدراستها، مسألة من يطلق عليهم بالمصطلحات الحديثة "بالمثقفين" وبالتحديد فصيل منهم يتكون أساساً من الأدباء والمفكرين الذين كانوا يعرفون قديماً "بأهل الأدب".هذا وتكتسب هذه الفئة الاجتماعية أهميتها الخاصة من وظيفتها الأساسية في إنتاج المنظومات الثقافية والأيديولوجية، التي تؤطر لكل تحول حضاري، وتوطن له في المخيال الجمعي للأمة، وتصوغ منه حوافز جديدة لتحولات لاحقة، وتفرز منه سمات جديدة تنضاف باستمرار إلى مكونات هويتها، وتعطيها القدرة على التجدد والتخلص من خلاياها الميتة أو التي فقدت وظيفتها. وبذلك تحافظ على انفتاح هذه الهوية وثرائها وحركيتها.إلا أن فئة المثقفين هذه كثيراً ما كانت تصطدم، إبان قيامها بوظيفتها، بفئة أخرى هي رجال السياسة بما يحوزونه من سلطة سياسية ويتوافرون عليه من قوة مادية ومعنوية. لهذا أراد الباحث عدم دراسة المثقفين بالمطلق، وإنما من خلال العلاقة التي كانت قائمة بينهم وبين ذوي السلطة السياسية. أما بالنسبة لاختياره بالتحديد للدولة البويهية طرفاً وإطاراً تاريخياً، فذاك يرجع إلى إقناعه بأن هذه الدولة مثلت تحولاً نوعياً هاماً في التاريخ العربي الإسلامي. على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وهو تحول ستكون له آثاره العميقة في الحضارة العربية الإسلامية طيلة العهود اللاحقة.وأما عن منهجية الباحث في معالجته للمسائل المطروحة في دراسته هذه، فقد التزم بمقاربة بعديها معاً. البعد الأفق الآني والبعد العمودي التاريخي. فنصف الظاهرة المدروسة يحاول تفكيكها، لتوضيح الكيفية التي تتفاعل بها عناصرها لتنتج عنها ظواهر بعينها. واعتباراً لهذه المقاربة المتوخاة في تناول المسألة المطروحة، بوّب الباحث هذه الدراسة إلى أبواب خمسة. فنظراً إلى أهمية العناصر المكونة لطبيعة الدولة البويهية في تشكل فئات المثقفين المختلفة، وتحديد مكانتهم في المجتمع، وتوجيه علاقتهم بالسلطة السياسية، رأى الباحث تخصيص الباب الأول من هذا البحث لدراسة طبيعة هذه الدولة، دراسة مدققة إضافية، فأبرز أهم العوامل التي مهدت لقيامها وأسهمت في تطورها لاحقاً بذلك الشكل الخاص الذي تطورت به متتبعاً من ثم خصائصها البنيوية التي أدت إلى نشوء ظواهر ثقافية كادت تنفرد بها الدولة البويهية دون سواها، وأعطت للأدباء والمفكرين تلك المكانة الخاصة التي كانت لهم في صلبها.وتمّ في الباب الثاني التعريف بـ"أهل الأدب" اصطلاحاً وتركيبة اجتماعية وذلك من خلال تتبع التطور الذي عرفه مصطلح "الأدب" في اللغة العربية، والتعرف على كيفية تشكل الفئات المختلفة من "أهل الأدب" وتطور أوضاعها ووظائفها إلى غاية قيام الدولة البويهية.ولمّا كان لكتّاب الدواوين من الأدباء أو "أصحاب الدراريع" كما كانوا يسمونهم آنذاك، مكانة متميزة في الدولة البويهية، بحكم انتمائهم في الآن نفسه إلى السلطة وإلى "أهل الأدب" فقد أفرد الباحث لهم الباب الثالث، وشمل سائر فئات "أهل الأدب" من غير "أصحاب الدراريع" بالدراسة في الباب الرابع والذي أفرد له مع الباب الخامس كتاباً مستقلاً مثل الجزء الثاني من هذه الدراسة.وقد توسع الباحث في توضيح أوضاع هؤلاء الأدباء والمفكرين المعاشية، وطرق كسبهم، وعلاقتهم بأدبهم، ومكانتهم في مجتمعهم وطبيعة العلاقة التي نشأت بينهم وبين رموز السلطة البويهية. وختاماً وفي الجزء الثاني أيضاً من هذه الدراسة أفرد الباحث الباب الخامس للمواقف التي اتخذها بعضهم من مجمل الأوضاع التي كانت سائدة في ظلّ بني بويه، مع حرصه على التمثيل بنماذج محدّدة لكل فئة من هذه الفئات.