يرتبط الإلحاد بالتصور الذي ينشئه الإنسان في اللاهوت أو الألوهية، ولقد نشأ الإلحاد المعاصر في الرغبة في تجاوز التناقض العسير المتحكم بتقابل هذين الضربين من التصور، التصور اليوناني القديم للألوهية، والتصور الكتابي المبني على مبدأ الوحي الإلهي. فجاء هذا التجاوز في هيئة الاستنجاد بما يقدمه الوعي الإنساني من طاقات في إعانة الإنسان عل...
قراءة الكل
يرتبط الإلحاد بالتصور الذي ينشئه الإنسان في اللاهوت أو الألوهية، ولقد نشأ الإلحاد المعاصر في الرغبة في تجاوز التناقض العسير المتحكم بتقابل هذين الضربين من التصور، التصور اليوناني القديم للألوهية، والتصور الكتابي المبني على مبدأ الوحي الإلهي. فجاء هذا التجاوز في هيئة الاستنجاد بما يقدمه الوعي الإنساني من طاقات في إعانة الإنسان على التحرر من حتمية اللجوء إلى الألوهية.وينحصر البحث عن الألوهية في أعماق الوعي الإنساني حتى تصبح الألوهية وقد تغيرت أسماؤها، كامنة كموناً لازماً في الذات الإنسانية. ولذلك يدعي اليوم الإلحاد بالإنسانويّة الملحدة، وهو الفكر الإلحادي الذي يبحث عن جوهر الإنسان الذي سلبته إياها وهيمنة السموّ الإلهي على حياته.وصفات الإلحاد الحديث ثلاث: الصفة الولى: قدرته على تأصيل الفكر الإنساني وتأسيسه تأسيساً مبنياً على ما يعتمده الإلحاد من قضايا أصليّة في معاينة الوجود والكون والإنسان والتاريخ. الصفة الثانية شموليته وكونيته وانفلاقه في ثنايا الواقع البشري برمّته، إذ ما عاد الإلحاد مقتصراً على مبايعة فكرية أو مشايعة عمّالية نقابية أو موالاة حزبية. الصفة الثالثة أن الإلحاد الحديث أضحى فكراً موضوعاً في صلب الإنجاز التاريخى بعد أن كان الإلحاد قديماً فكراً نظرياً مجرداً من كل أثر تاريخي معيون.ومما لا شك فيه أن الفكر الإلحادي الحديث تخترقه تيارات نظرية شتّى يعسر الوقوف على وقائعها والتبصر في جميع نواحيها وجوانبها. ولذلك اقتصرت هذه الدراسات الوجيزة على استعراض البعض من المناهج الإلحادية التي تأسس عليها في الأزمنة الحديثة الكثير من مذاهب الإلحاد الفكري، عني بها منهج فويرباج ومنهج نيتشه ومنهج ماركس. واستزادة في الاطلاع على الفكر النقدي الملحد وغير الملحد الناشط في المذهب الفلسفي الوضعي، عمد المؤلف إلى استجلاء بعض الأفكار النقدية الأساسية التي صاغها فيتغنشتاين في معاينته للظاهرة الدينية وللغة الدينية. وختم أبحاثه باستعراض مقتضب للمسألة الأساس في فلسفة الدين، ألا وهي تحديد هوّية هذا الحقل الفكري الذي يعني في صورة مباشرة بقضيّة الإلحاد.