"كتبت دينة "ابنة الإنسان" قبل أكثر من ألفين وخمسمئة سنة: سأقول لكل حي أن لا ييأس إن كان له أب وأجداد مجرمون كأبي وأجدادي اللؤماء. عليه أن يختار عائلته بنفسه وإن ينتسب للإنسان الخيّر حتى لو كان غريباً"، "لقد جلبت الأطفال إلى هذا الملجأ الآمن قبل أن يحطّم الأعداء بابل ويدمروها ويقتلوا من فيها ويحرقوها ويمحوا آثارها"، ستعلّمهم كل ف...
قراءة الكل
"كتبت دينة "ابنة الإنسان" قبل أكثر من ألفين وخمسمئة سنة: سأقول لكل حي أن لا ييأس إن كان له أب وأجداد مجرمون كأبي وأجدادي اللؤماء. عليه أن يختار عائلته بنفسه وإن ينتسب للإنسان الخيّر حتى لو كان غريباً"، "لقد جلبت الأطفال إلى هذا الملجأ الآمن قبل أن يحطّم الأعداء بابل ويدمروها ويقتلوا من فيها ويحرقوها ويمحوا آثارها"، ستعلّمهم كل فنون الحياة "علهم يوماً ما يرجعون إلى بابل ويعيدونها كما كانت زاهية مزدهرة غنية".كثير من الخيال والرمز والتداعيات الصورية والذهنية في هذه الرواية الكثيفة المعلومات والمضامين، الجميلة بلغتها الوجدانية، والمشوقة بأسلوبها المتنوع بين الوصف الواقعي والإثارة السردية، للروائي العراقي المقيم حالياً في الولايات المتحدة الأميركية.يبحث الراوي عن موقع تاريخي مخفي في جبل حمرين شمالي العراق، ويكتشف أنه دمّر بالكامل. يتخذ من هذا الموقع القريب من قرية حمور، ساحة لتدريب بنات يعقوب "دينة وشمة وبسمة"، على فنون القتال، بعد أن لجأ يعقوب صاحب الميول الخبيثة والتوجهات الشريرة وأبنائه العبرانيين إلى القرية، وهم الذي لا يعرفون سوى حياة الترحال. خطة يعقوب الجهنمية للاستيلاء على القرية وقتل جميع أهلها بغية تقديمهم قرباناً لإلهه الشرير، دفعت به حتى إلى تزويج بناته من أبناء حمور بغية إثبات حسن نواياه، حتى يتمكن فعلاً من الغدر بهم والقضاء عليهم جميعاً وبما فيهم أزواج بناته الثلاث اللواتي تختزن قلوبهن الخير، فبعد حصول المجزرة يقررن الهرب من عائلتهن التي تبرر للقتل بالدين وتحلّل الجريمة، إلى مدينة بابل في رحلة مليئة بالمشاق وبالمخاطر من وجود قطاع الطرق والسجناء السابقين، يصفها الرواي بالكثير من التشويق المبني على الخيال والصورة والإثارة.في بابل، تهنئ بنات يعقوب بالأمن والطمأنينة والازدهار الذي كانت تنعم به هذه المدينة العريقة بحضارتها. لكن ألن يضرب الشر ويتم التآمر من جديد، فيقوّض العبرانيون كما خطط دانيال كبير كهنتهم، حياة ومعالم السلم والحضارة ويفتك ببابل وبأهلها وبملكها نبوخذ نصر، بعد أن يتمكنوا من إضعافها باغتيالات أفضل رجالها المبدعين؟في هذه الرواية، يعرف القارئ كيف تتمكن المخيلة من إنتاج صوراً جمالية، وكيف تصبح اللغة متعة في القراءة، وكيف يحضر التاريخ بأبهته، إن لم يكن بحذافيره فبمغزاه وعبَره، وكيف يتزاوج الواقع بالخيال لخلق علاقة منسجمة في سياق ناجح مثير ممتع وذو فائدة