من الكتاب:دعوني احدثكم عن تجربة بدأت وانطلقت من رصيف في بيروت عاصمة لبنان,ذلك الرصيف كان ينام عليه شاب صغير, من اين اتى ذلك الشاب الى الرصيف؟ اتى من بيت عمه القاسي بعد ان توفيت امه وتوفي ابوه ولم يعد له غير ذلك العم, الذي قال له يوما وبصراحة:لقد اثقلتني ولم اعد قادرا على تحمل مصاريفك, اذهب الى الشارع, خرج الطفل الصغير نحو الطريق...
قراءة الكل
من الكتاب:دعوني احدثكم عن تجربة بدأت وانطلقت من رصيف في بيروت عاصمة لبنان,ذلك الرصيف كان ينام عليه شاب صغير, من اين اتى ذلك الشاب الى الرصيف؟ اتى من بيت عمه القاسي بعد ان توفيت امه وتوفي ابوه ولم يعد له غير ذلك العم, الذي قال له يوما وبصراحة:لقد اثقلتني ولم اعد قادرا على تحمل مصاريفك, اذهب الى الشارع, خرج الطفل الصغير نحو الطريق الواسع, راحت خطواته تتبعثر حائرة: الى اين اذهب؟ وجد المكان المناسب, رصيف ممتد! فوق الرصيف إنارة صفراء! وبجواره صندوق كبير للمهملات والنفايات! موقع رائع! الرصيف هو المأوى والنور هو مصدر الانس وتحت الانارة يأكل بقايا الطعام التي كان يجدها ملفوفة في بعض الصحف المرمية,بعدما ياكل كان يتصفح الصحيفة وبالكاد كان ينظر إلى الصورالتي يختفي اجزاء منها نتيجة بقع الزيت العالقة كان يقرا بالكاد بعض الاسطر والكلمات، انقدحت في ذهنه فكرة, بينما كان يقلب عينيه في صحيفة ممتلئة ببقايا الطعام, فكر لماذا لا اكون صحفيا؟ لماذا لا اكون اكون كاتبا؟ لماذا لااكتب وانا صاحب تجربة كبيرة؟ كم من الناس من نام فوق الرصيف بجوار صندوق النفايات وتحت الانارة الصفراء؟ فكرة متميزة, انها متميزة! لا ابد ان اتعلم حتى اكون صحفي وحتى اتعلم لابد من ان اعمل,اشرق الصباح واشرق الطموح في نفسه, انطلق صاحبنا يبحث في العاصمة عن مؤسسات صحفية تفتح لها ذراعها حتى يعمل فيها اي عمل, بحث وبحث, بحث حتى كاد ان ييأس لكنه اخيرا وجد الفرصة, وظيفة مناسبة, وظيفة يعمل فيها بالمساء حتى يدرس صباحا تلك الوظيفة عامل بسيط يمسح الطاولات, طاولات الموظفين, والمكائن, مكائن الطباعة، وظيفة مناسبة على الاقل تضمن له ان يقرا كل يوم صحيفة نفس اليوم بدون اي بقع وبدون اي زيت يلطخ الصور واسطر المقالات بدا يعمل, كان يعمل بعزيمة, كان يعمل على تنظيف الطاولات وكأنه رئيس تحرير تلك المؤسسة,لانه يعمل ويرى بعينيه الطموح والهدف الذي يسعى اليه, كان يعود الى ذلك المكان وينطلق بكتابة مذكراته وخواطره صنعت منه تلك التجربة, كاتب يفجر المعاني من خلال كلمات متالقة في يوم من الايام كان يحمل الدفتر ويمشي ببراءة الشاب الصغير يمشي بخطى سريعة في احد اسياب تلك المؤسسة واحد ممرتها فجاة ارتطم برجل يظهر عليه الكبر في السن: انا اسف, ذلك الرجل كان مؤدبا وكان من ادبه ان التفت الى الدفتر الذي وقع على الارض من يد ذلك الشاب عندما وقع الارتطام ووقع الحادث, نزل ذلك الرجل واخذ الدفتر واعتذر من الشاب الصغير وقدم الدفتر له ثم تساءل: هل تعمل في هذه المؤسسة؟ قال الشاب: انا اعمل منذ اشهر, فقال الرجل : ماشاء الله تعمل عندنا , انا رئيس تحرير هذه الجريدة, ماهذا الدفتر الذي في يدك؟ ال الشاب: هذي خواطري اكتب فيها (الان جاءت الفرصة): انظر لعلك تقرا بعض الصفحات, قال: تفضل معي في مكتبي حتى اقرا خواطرك, ذهب معه الى المكتب، بدا يقرا الخواطر, فاذا بها تنطق عن تجربة وتنطق بمعاناة وتتحدث عن ماساة ولذلك كانت صادقة. اعجب بهذه الموهبة الواعدة, وعده ان يدعمه حتى يستمر في التطوير ونشر له مقالا في تلك الجريدة فكانت اول انطلاقة, كان ينظر للمقال فلا يرى فيه مقالا من عدة اسطر انما يرى فيه الحلم, يرى فيه الطموح, يرى فيه الهدف, استمر ذلك الشاب ... لن اسرد عليكم القصة باكملها, القصة طويلة لكني اريد ان اقول لكم ان ذلك الشاب استطاع ان يكون رئيس تحرير تلك الجريدة ثم استطاع ان يمتلك اكبر مؤسسة صحفية في لبنان, استطاع ان يصنع ذاته, من اين بدا رحلته مع صناعة الذات؟ بدا بفكرة, تلك الفكرة التي انعكست من خلال ميزة رآها في نفسه تلك الميزة كانت كفيلة بان تقضي عليه تلك الميزة هو انه شاب صغير يتسكع في الطريق بلا عائل وبلا مأوى تلك سلبية؟ ام تلك ايجابية؟ ام مصيبة؟ لو نظر لها على انها سلبية لكانت قادرة على تحطم حياته لكنه نظر اليها على انها ميزة يماتز بها وفكر كيف يستطيع ان ينطلق من خلالها حتى يستطيع ان يأسر قلوب الناس عندما يكون صحفي يتكلم عن معاناته, انا اسالكم سؤال, كل منا يسأل نفسه, ماهي مميزاتي؟ ماهي الاشياء التي امتاز بها؟ هل عندك مميزات؟ من خلال تلك المميزات, هل تستطيع ان تكون الافضل؟ هل تستطيع ان توظفها حتى تصنع ذاتك؟ حتى تحقق نجاحا؟ نظرت مرة الى المرآة؟ بالتاكيد, ماذا وجدت؟ ماذا رايت في المرآة؟ وجدت نفسك بالتاكيد! عندما وجدت نفسك,ماذا وجدت فيها؟ ماذا رأيت فيها من مميزات؟ هل جلست لتفكر؟ ماهي الاشاياء الحقيقة التي تمتلكها؟ ومن خلالها تستطيع ان تكون افضل؟