منذ حوالي القرنين من الزمن بدأت في الغرب عملية للبحث والاستقصاء عن شخص عيسى المسيح التاريخي، أي عيسى النبي الذي بعث في فلسطين في أوائل القرن الأول، ومحاولة التمييز بينه وبين المسيح بولس الذي آمنت به الكنيسة، وكان من جملة الرواد الأوائل في عملية البحث هذه الرئيس الأميركي الثالث توماس جفرسون الذي حاول تطهير الكتاب المقدس من مفهوم ...
قراءة الكل
منذ حوالي القرنين من الزمن بدأت في الغرب عملية للبحث والاستقصاء عن شخص عيسى المسيح التاريخي، أي عيسى النبي الذي بعث في فلسطين في أوائل القرن الأول، ومحاولة التمييز بينه وبين المسيح بولس الذي آمنت به الكنيسة، وكان من جملة الرواد الأوائل في عملية البحث هذه الرئيس الأميركي الثالث توماس جفرسون الذي حاول تطهير الكتاب المقدس من مفهوم مسيح بولس الميتولوجي والإبقاء فقط على تعاليم عيسى المسيح التاريخي، ومنذ ذلك الوقت وعلى مدى قرنين من الزمن، ورغم الكثير من العثرات، استجمعت عملية الاستقصاء هذه زخماً في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين على شكل أبحاث أكاديمية كثيراً ومستفيضة، وبنتيجتها ظهرت على الملأ كمية لا يستهان بها من الكتابات الأكاديمية القيمة الحديثة أبرزت بشكل واضح وجود فجوة هائلة بين مسيح بولس الميثولوجى وبين عيسى المسيح التاريخي.ولكن بحسب قول أحد الباحثين الغربيين في هذا المجال: (إن المتشددين المسيحيين- سواء الكاثوليك فهم أو البروتستنت- لشدة توقهم الحفاظ على معتقداتهم بلا تغيير لا يجرؤن على مواجهة النتائج التي تمخضت عنها مئتا عام من البحث العلمي في الكتاب المقدس). وفي الفصول التالية يبين الكاتب أن الإسلام سبق علماء الكتاب المقدس بأكثر من أثني عشر قرناً في إنكاره شخصية كريستوس" الميتولوجية التي تخيلها بولس في المسيح، وبإعلانه على الملأ شخصية المسيح الحقيقية، وإن الإسلام بالإضافة لذلك أنصف عيسى المسيح من التشويه الذي لحق برسالته، وبين المغزى والهدف الحقيقي منها، وهو ما اختارت الكنيسة تجاهله.فمنذ أربعة عشر قرناً أعلن القرآن أن النصارى وليس المسيحية كانوا اتباع المسيح التاريخي وهي الحقيقة التي أقرها علماء الكتاب المقدس حديثاً، لقد قيد الإسلام ووضح بين حقيقة عيسى المسيح وبعثته التاريخية التي فهمها وتبعها النصارى، وبين مفهوم بولس عن عيسى كانموذج آخر من الآلهة اليونانية- الرومانية الغامضة، وباختصار فإن الإسلام رسم خطاً واضحاً بين بعثة عيسى للمسيح من جهة وبين المسيحية كديانة نشأت من معتقدات بولس الذي لم يكن يخطط لإنشاء ديانة للأجيال القادمة أصلاً.ويرى الكاتب أن البحث الجاري حالياً في الغرب عن أصل المسيحية والكتاب المقدس يفتقر إلى النظرة الشمولية كونه لا يأخذ القرآن دليلاً في البحث من حقيقة رسالة المسيح وفي حين أن العديد من العلماء الدين تخصصوا بدراسة الكتاب المقدس يتصفون في الوقت نفسه باتخاذ موقف مسبق من القرآن الكريم، فإن الكنيسة في جانبها اتخذت موقفاً سلبياً ليس من المنظور الإسلامي فحسب وإنما أيضاً من دراسات الكتاب المقدس الحديثة. والنتيجة الحتمية التي ترتبت على ذلك في ما نراه اليوم من تدهور الإيمان الديني في الغرب وخاصة بين المفكرين والمثقفين الذين يبحثون عن ديانة عقلانية وليس ديانة ميتولوجية.ويرى الكاتب أيضاً أن التوافق الرائع بين ما ظهر من نتائج أبحاث الكتاب المقدس الحديثة وبين الوعي القرآني يمكن اعتباره منطلقاً لحوار مفيد ومثمر وفعال وتعاون بين المسيحيين والمسلمين وفي ذلك يلاحظ المرء الكثير من نقاط الالتقاء بين المعتقدات النصرانية وبين الوعي القرآني.وبناءً على ما تقدم واستناداً على أبحاث غربية في الكتاب المقدس، يقدم الكاتب فيما يلي ملخصاً عن نشأة الكتاب المقدس ونشأة المسيحية ومدى علاقتها بعيسى المسيح عليه السلام، ويصف الكاتب أيضاً كيف انتصرت المسيحية الهلنستية تدريجياً على حركة النصارى الأوائل من صحابة عيسى وأتباعه في القدس، وفي العضلين الأخيرين بعرض الكاتب للمعتقدات الأصولية المسيحية عند الغربيين باعتبارها القوة الواقعة التي تتكيف بموجبها سياسة الغرب تجاه فلسطين خاصة وتجاه الشرق الأوسط عامة.