لا أذكر تماما متى بدأ اهتمامي بنصوص العهد القديم. ولكني أذكر أنني عندما قرأت نص الذيالوغوس الذي دار في القرن الثاني بين القديس يوستينوس الشهيد وبين تريفون اليهودي في أفسس لفت نظري ادعاء تريفون أن الآباء بدّلوا في نصوص العهد القديم لإثبات ما ذهبوا إليه. وكنت أكتفي آنئذٍ بالقول أن الكلمة المتجسد لم يكن في أي وقت من الأوقات بحاجة إ...
قراءة الكل
لا أذكر تماما متى بدأ اهتمامي بنصوص العهد القديم. ولكني أذكر أنني عندما قرأت نص الذيالوغوس الذي دار في القرن الثاني بين القديس يوستينوس الشهيد وبين تريفون اليهودي في أفسس لفت نظري ادعاء تريفون أن الآباء بدّلوا في نصوص العهد القديم لإثبات ما ذهبوا إليه. وكنت أكتفي آنئذٍ بالقول أن الكلمة المتجسد لم يكن في أي وقت من الأوقات بحاجة إلى التبديل في النصوص لإثبات رسالته, وأنه لا بد أن يكون اليهود قد قرأوا النصوص نفسها التي أشار إليها السيد وقرأها الرسل ورسل الرسل والآباء. ولا يخفى أن أقدم النسخ العبرية كانت آنئذٍ لا تزال من مخلفات القرن العاشر, وأن بردية ناش وما شاكلها التي عادت إلى ما قبل الميلاد كانت نُتفاً صغيرة من النصوص لا يجوز الإعتماد عليها كثيراً. وأما الترجمات اليونانية واللاتينية كالكودكس السينائي والكودكس الفاتيكاني فإنها ترجمات مسيحية لا تفيد في البت في أمر التبديل وهي متأخرة نسبياً لا تعود إلى ما قبل القرن الرابع بعد الميلاد. أما الآن وقد وجدنا "مكتبة" دينية عبرية كاملة تعود إلى القرنين الأخيرين قبل الميلاد, والقرنين الأولين بعد الميلاد, بفضل ما كشفه العلماء في جوار البحر الميت, فإننا أصبحنا أقرب بكثير من البتّ في أمر التبديل مما كنا عليه بالأمس.ولكن ما كاد العلماء ينفضون الغبار عن دروج هذه المكتبة ويبدأون بقراءة نصوصها ويطلعون على تراث اليهود الذين عاصروا السيد والرسل حتى أطلق بعض المتسرّعين العنان لأنفسهم فركبوا سجيّة رؤوسهم واختاروا لأنفسهم ما وافق فلسفتهم المادية أو ما طلبوا من شهرة مستعجلة, فقالوا إنه كان لأصحاب هذه الدروج "معلم صالح" وأن هذا المعلم قاسى الصلب ومات وقام من بين الأموات, وأنه ليس من جديد في سيرة المسيح!! وتاه مع هؤلاء في شعاب الباطل بعض التجار من رجال الصحف والنشر فزيّنوا وزوّقوا ابتغاء البيع والربح, وافتروا على علماء الكنيسة, واتهموهم بالجبن والخوف, وقالوا إن بضاعة هؤلاء كالثياب المتداعية كلما حيصت من جانب تهتّكت من جانب آخر! ولكن العلماء من رجال الكنيسة, ولا سيما آباء مدرسة علوم الكتاب في المدينة المقدسة, لم يعبأوا بشيء من هذا بل شمّروا عن ساعد الجد واشتركوا في أعمال الكشف وفي إثبات النصوص المكشوفة واثقين جريئين.وتكاثرت الكتب والمصنفات في موضوع دروج البحر الميت حتى بلغت في عشر سنوات (1948 - 1958) ثلاثة آلاف أو أكثر. وظهرت في جميع لغات الغرب ولكن شيئا من نوعها لم يظهر بالعربية قبل السنة 1957. ومع أننا لا ننكر على القس جايمس ولبي والسيد إبراهيم مطر والدكتور أنيس فريحة فضلهم في الكراس الذي نشروه في هذه السنة عينها عن "مخطوطات البحر الميت وجماعة القمران" فإننا لم نجد فيه ما يروي ظمأ المؤمن والعالم في آنٍ واحد.وكان صديقنا العلامة الأب جورج فاخوري البولسي, مدير مجلة "المسرة" يرقب هذا الأمر نفسه فلا يغفله طرفة عين ويحصي على رجال الإلحاد أنفاسهم ويتتبع عثراتهم, فشجّعنا على كتابة هذه الرسالة وتبرع بنشرها هدية لقراء المسرة فشكرنا له وللرهبانية البولسية يقظتهم, واشتركنا معهم في ذكر يوستينوس الفيلسوف الشهيد ممجدين معه, بعد ألف وثماني مئة سنة, المسيح الذي لا يموت ملكنا وإلهنا, مؤكدين أن تريفون وأعقابه اليوم كان ولا يزالون على ضلال مبين.المؤلف