ينكشف تاريخ العقل الغربي، كما جاء في دراسة قيّمة لميشال فوشو، في رمزية المرآة حيث تنعكس حقيقته كصراع أزلي بين الإله والإنسان أو بين المقدس والدنيوي، بحيث يسعى الثاني حلول محل الأول من خلال تجربة علمانية أو علمانية أو علمنة أو تحويل الأخلاق الدينية والمتعالية إلى قيم وضعية إنسانية المرآة كرمز وحدة الوجود ليست غريبة عن العقل الغرب...
قراءة الكل
ينكشف تاريخ العقل الغربي، كما جاء في دراسة قيّمة لميشال فوشو، في رمزية المرآة حيث تنعكس حقيقته كصراع أزلي بين الإله والإنسان أو بين المقدس والدنيوي، بحيث يسعى الثاني حلول محل الأول من خلال تجربة علمانية أو علمانية أو علمنة أو تحويل الأخلاق الدينية والمتعالية إلى قيم وضعية إنسانية المرآة كرمز وحدة الوجود ليست غريبة عن العقل الغربي أداة وفكراً، صورة ومعنى. فليس من الغريب أن يكون سبينوزا قد بلور نظريته حول وحدة الوجود العقلية بناءً على رمزية المرآة، تلك التي طالما عهدها واشتغل عليها عندما كان يصقل المرايا كعمل وحيد كان ينال من خلاله قوت يومه. المرآة هي حضور التعالي في ثنايا المحايث أو التجسيد الرمزي للروح، فهي بذلك تعقد صلة وثيقة بالحقيقة والبحث عن الحقيقة سبيله هو الذات والتأمل فيما تنطوي عليه النفس البشرية من عوالم وألغاز. الحقيقة هي "مرآة" يرى عبرها الإنسان ذاته ويتأمل في قواه وحدوده. الحقيقة (عبر رمزية المرآة) هي "كشف" بالمعنى الإغريقى، هي النور الذي ينعكس في المرآة الكونية ويضيء النفس البشرية بكل ما تحمله من قوى عقلية وخيالية وفكرية: ميلاد "الفكرة" بفعل هذا البصيص المنعكس كما لاحظ أيضاً ريشار رورتي في كتابه "الإنسان المرآوي" أو "الفلسفة ومرآة الطبيعة" (حسب العنوان الأصلي).حفريات العلوم الإنسانية التي صاغها ميشال فوكو في كتابه الشهير "الكلمات والأشياء" تبين هذا الانعكاس المتبادل للكائنات والأشياء من خلال عنصر التشابه أو التماثل في عصر النهضة. لوحة فيلا سكيز التي حللها فوكو تعكس لعبة المرايا وانعكاس الأشياء دون بلوغ حقيقة التمثيل الذي هو الموضوع المباشر للرسّام، فقط لأن الحقيقة رغم كونها المرآة المصقولة التي يتأمل فيها الإنسان قضاياه المعرفية والأنطولوجية والميتافيزيقية، فهي في اللحظة نفسها الخفية التي لا تظهر: مفارقة عجيبة تجعل من شدة الوضوح هو الاختفاء عينه. وهذا الاختفاء هو "ما لم يفكر فيه" تاريخ الفكر الغربي. تلك هي انطلاقة الباحث في مناخات الفكر الغربي في محاولة حثيثة لقراءة معاصرة في صفحاته وذلك من خلال تفكيكه واستدراجه لمناخات تأويلية على ضوء استحضار أفكار وفلسفة نخبة من مفكريه وفلاسفته أمثال هانس غيورغ غادامير، بول ريكور، ميشال دو سارتو، ميشال فوكو، ريشار رورتي، جاك ديدرا، جون بودريار.