كيف استطاع إدوارد سعيد أن يصبح محطّ أنظار الكون؟ كيف استطاع أن يخطف انتباه صفوة المفكرين إلى إنجازه الفكري، ويشغلهم بما خلف من تراث عالمي؟ ولماذا يعدّ إدوارد سعيد رائداً متميزاً من روّاد الفكر في القرن العشرين، وأحد الذين ساهموا في تغيير مسارات الفكر التقليدي وشقوا للإنسانية دروباً جديدة كانوا فيها منارات تهدي الناس إلى قراءات أ...
قراءة الكل
كيف استطاع إدوارد سعيد أن يصبح محطّ أنظار الكون؟ كيف استطاع أن يخطف انتباه صفوة المفكرين إلى إنجازه الفكري، ويشغلهم بما خلف من تراث عالمي؟ ولماذا يعدّ إدوارد سعيد رائداً متميزاً من روّاد الفكر في القرن العشرين، وأحد الذين ساهموا في تغيير مسارات الفكر التقليدي وشقوا للإنسانية دروباً جديدة كانوا فيها منارات تهدي الناس إلى قراءات أكثر عمقاً في مفردات هذا العالم القلق الذي نعيش فيه؟ أسئلة ربما تكون إجاباتها بعيدة وقريبة في آن..كان إدوارد سعيد كونياً في منظوره، دأب على محاكمة القضايا، التي تشعل البشر جميعاً، بما ينبغي من الموضوعية والنظرة النقدية العميقة، وخاطب، فيما خاطب، مسالة غياب العدالة والتكافؤ بين الشعوب، وفضح طبيعة الهيمنة وأدواتها، وكان، في ذلك كلّه، موسوعياً في معرفته، بحيث استطاع أن ينفذ إلى جواهر المعارف المختلفة، ويقيم الصلات بين ما كان يبدو منها شدي العزلة وعصياً على الوصل، حتى أصبح بحق رائد فضاء كوني (كوبرنيكي) -كما أشير إليه مراراً- قوّض بفكره البروج العاجية، وجسّد ضرورة سريان الفكر في شرايين الحياة اليومية واندغامه بها.لم يسلم إدوارد من سهام كثيرة مأجورة أو مسنونة على حجر الجمود والفكر المحافظ والشوفينية وجهها إليه الحاقدون، ولم يعدم أصحاب الضمائر الحية، الذين انبروا للدفاع عنه إيماناً بعبقريته وروعة إنجازه الخالد. عاش حياته بكل دقائقها وهو يشيع دوائر دائمة الاتساع في مناطق الفكر التي كانت قد أسنت، ويكشف لنا بلا كلل عن طبائع في الأشياء كانت خافية علينا وإن تكن قريبة، ثم رحل إدوارد جسداً عن هذا العالم الناكر للجميل، لكنه يظل على الدوام نصاً مفتوحاً على العالم ومنضفراً به إلى الأبد.