وفى كتاب أصدره عام 1998 تحت عنوان"تدمر.. شاهد مشهود" يروي "محمد سليم حماد" تجربته القاسية فى السجون السورية، وهي معاناة تلخص ما يواجهه آلاف المعتقلين السوريين والعرب (من لبنان وفلسطين والأردن والعراق...)، والذين يرفض الحكم السوري الإقرار بوجودهم في معتقلاته، كما لم يستجب لأي مناشدات للإفراج عنهم، لغرض التخفيف عن أسرهم و عائلاتـه...
قراءة الكل
وفى كتاب أصدره عام 1998 تحت عنوان"تدمر.. شاهد مشهود" يروي "محمد سليم حماد" تجربته القاسية فى السجون السورية، وهي معاناة تلخص ما يواجهه آلاف المعتقلين السوريين والعرب (من لبنان وفلسطين والأردن والعراق...)، والذين يرفض الحكم السوري الإقرار بوجودهم في معتقلاته، كما لم يستجب لأي مناشدات للإفراج عنهم، لغرض التخفيف عن أسرهم و عائلاتـهم المنكوبة بفقدانـهم منذ سنوات طويلة.يقول "محمد" في كتابه الذي يقع في 245 صفحة من القطع المتوسط إن تعرضه للتعذيب العنيف بدأ مع اعتقاله فى فرع قيادة المخابرات في منطقة العدوي بدمشق، حيث حل رقم (13) محل اسمه، ونزعت عنه ملابسه، وأمره المحققون بأن يجثو على ركبتيه مطأطئ الرأس ليجيب على أسئلتهم وسط ضرب مبرح، وتـهديدات بالقضاء عليه.ويضيف "محمد" الذي لم يكن بوسعه الإقرار بما يطلب منه أنه نقل بعد ذلك إلى غرفة مخصصة للتعذيب أسفل قبو مظلم، حيث علق بالحبال في سقف الغرفة وهو مجرد الثياب،ثم انـهال عليه الجلادون بالضرب بأسياخ النار وكبلات الكهرباء والعصي، واندفع هؤلاء إلى استخدام اللسعات الكهربائية في مناطق حساسة من جسمه مهددين إياه بالموت ما لم يعترف بما يطلب منه.وبعد تلك الجولة من العذاب التي تعرف بلغة الجلادين "الشبح "، نقل "محمد" إلى تعذيب من نوع آخر يدعى "بساط الريح "، و هو لوح من الخشب يشد المعتقل إليه بواسطة قطع حديدية، ثم يرفع نصفه، حيث يبدأ الضرب على القدمين بكبلات معدنية، وأسلوب آخر يعرف بـ " الكرسي الألماني " وهو كرسى ذو أجزاء متحركة يوثق المعتقل إليه من ذراعيه وساقيه ثم يسحب مسنده الخلفي إلى الوراء، ساحباً بذلك الجذع الأعلى معه، فيما تظل قدماه مثبتتان من الجهة الأخرى، فيتركز الضغط على الصدر والعمود الفقري، مما يؤدي إلى تـهتك العمود الفقري، و الإصابة بالشلل لاحقاً.ويروي الشاب الأردني "محمد سليم حماد" في كتابه أن جولة التعذيب التي تعرض لها أثناء اعتقاله لم تكن سوى مرحلة أولى ضمن طريق مضن يسلكه المعتقلون السياسيون في سوريا، فقد نقل "محمد" بعد ذلك إلى فرع التحقيق العسكري بدمشق، حيث أخضع لجولات جديدة من التعذيب القاسي الذي يشمل الصعق بالكهرباء، و الكي بالنار، و الجلد والشبح.ويعتبر سجن تدمر الذي أقيم زمن الاستعمار الفرنسي لتعذيب المجاهدين ضد الاحتلال الأسوأ سمعة بين السجون و المعتقلات السورية، ويعتبر التعذيب جزءا من منهجية الاعتقال، حيث يبدأ منذ اللحظات الأولى لوصول المعتقل وهو معصوب العينين، ويختتم بوفاته، أو الإفراج عنه وهو أمر نادر كما تشير الوقائع. ويعدد المعتقل الأردني " محمد سليم حماد" أساليب التعذيب التي تعرض لها أو شاهدها في سجن تدمر، على النحو الآتي:1- التعليم: وهو انتقاء واحد من المعتقلين بشكل عشوائي، حيث يتم تعريضه لوجبات قاسية من العذاب إلى أن يقضي نحبه، وبذلك يكون عبرة لغيره من المعتقلين.2- الدولاب: حيث يوضع المعتقل داخل دولاب مطاطي، وترفع قدماه في الهواء، بحيث ينهال عليه الجلادون بالسياط، وبعد ذلك تربط القدمان بسلسلة من الحديد تمنعهما من التحرك، ويلي ذلك انقضاض على المعتقل بالضرب و الركل، إلى أن تسيل الدماء منه.3- المراقبة الدورية: في المهجع الذي يكتظ بالمعتقلين، و هو عبارة عن غرفة مستطيلة تحتوي دورة مياه وحمامين، وفي السقف فتحتان مغطاتان بقضبان حديدية، ويقوم عناصر المخابرات والشرطة العسكرية بالتعرض للمعتقلين كافة أو انتقاء واحد منهم،كلما طلب بدء جولة جديدة من ا لتعذيب.4- التفقد: وهو عملية الإحصاء اليومي للمعتقلين، حيث تصاحبه على الدوام عمليات ضرب وسب وجلد، ولا يسمح للمعتقلين بالنوم إلا على بطانيات بالية، لا تتيح لهم الوقاية من برد الصحراء ا لقارس.5- التنفس: حيث يعمد الجلادون إلى استغلال اللحظات التي يخرج فيها المعتقلون إلى باحة السجن، للانقضاض عليهم بالضرب بواسطة العصي والكبلات، ومنعهم من التحدث إلى بعضهم، ويعتبر الطعام المقدم إلى المعتقلين جزءاً من عملية الإساءة التي تتميز بـها المعتقلات السورية، وخاصة سجن تدمر الصحراوي، وتتميز الأطعمة في غالب الأحيان بأنـها فاسدة، و تسبب الأمراض المعوية للسجناء، وفي بعض الأحيان يؤمر المعتقلون بأكل الذباب والصراصير والفئران الميتة تحت التهديد والوعيد.6- الحلاقة: يؤمر المعتقل بالجلوس جاثياً أمام الحلاق و هو أحد جلادي السجن، حيث يقوم " الحلاق " باستخدام موسى جارحة مع الضرب و الشتم، وغالباً ما يتسبب العمل بإصابة المعتقل بجروح غائرة في الرأس والوجه.7- الحمام: حيث يخرج المعتقلون إلى باحة السجن، وينهال عليهم الجلادون بالضرب والجلد، ثم. يساقون إلى مقصورات ضمن مجموعات تضم كل واحدة نحو ستة معتقلين، ويوضع هؤلاء تحت رشاش يطلق ماءً بارداً، وهم ينـزعون عنهم ملابسهم.ويصف "محمد" فى كتابه الأجواء الرعيبة التي تخيم على معتقل تدمر، و عملية الإعدام المتواصلة للسجناء السياسيين، إلى جانب وفاة عدد منهم نتيجة إصابتهم بأمراض خطيرة، لم تتخذ السلطات لهم فرصة الحصول على العلاج في المشفى، والمحاكمات الصورية التي يقوم بـها ضباط الأمن والمخابرات ، حيث تصدر أحكام عشوائية تتصف بالقسوة استناداً إلى اعترافات تم انتزاعها تحت التعذيب، ورغم هذه الصورة المقيتة، فقد أرغم الجلاوزة السجناء وغالبيتهم من طلبة الجامعات على التصويت بـ "نعم" خلال حملة إعادة انتخاب الرئيس حافظ الأسد لولاية جديدة في الحكم عام 1991، ويقول "محمد" إن الجلادين أجبروا المعتقلين على كتابة كلمة "نعم" بدمهم إمعاناً في القسوة.ويسلط الكتاب/ الوثيقة مشاهدات عدد من المعتقلين أثناء مجزرة سجن تدمر فى 27 مايو 1980 عندما أقدمت سرايا الدفاع بقيادة شقيق الرئيس "العقيد رفعت الأسد" على قتل ما يربو على 600 معتقل ودفنهم فى مقابر جماعية شرق بلدة تدمر.