شهدت الأمة الإسلامية في أصقاعها نهضة تزامنت مع أواخر القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر منه، وذلك بجهود رجال سطر لهم التاريخ أنصع الصفحات، وحول هؤلاء العظام يأتي هذا المؤلف بمجلادته الستة، يقدم المؤلف من خلالها أسماء أعلام متحدثاً عن هذه النهضة النشيطة ورجالاتها من أئمة المسلمين، والملفت أن المؤلف لم يكن ليهدف إلى ترجمة حياة هؤل...
قراءة الكل
شهدت الأمة الإسلامية في أصقاعها نهضة تزامنت مع أواخر القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر منه، وذلك بجهود رجال سطر لهم التاريخ أنصع الصفحات، وحول هؤلاء العظام يأتي هذا المؤلف بمجلادته الستة، يقدم المؤلف من خلالها أسماء أعلام متحدثاً عن هذه النهضة النشيطة ورجالاتها من أئمة المسلمين، والملفت أن المؤلف لم يكن ليهدف إلى ترجمة حياة هؤلاء الأبطال، من رصد سنوات البلاد والرحلة والوظائف والوفاة، ولكن كانت غايته الكشف عن أعمال المصلح، مفسراً دوافعه الذاتية، مقدراً جهاده الدائب فيما اعترضه من الصعاب، وإذ ذاك يتسع المجال للحكم العادل من المؤلف، والإطمئنان من القارئ المصيف.وإلى ذلك، فإن التاريخ للنهضات من حديث أبطالها المجاهدين يقدم الوجه الثاني من هذا التاريخ، وهو لون يجد الترحيب من قرائه، إذ يتخلله من المتعة العقلية والنفسية ما يساعد على إستيعابه وتمثيله، وإذا كان الإسلام عاماً شاملاً ينفذ بقوانينه إلى شتى مناحي الحياة؛ فإن العاملين تحت رايته والذين جاء ذكرهم كما وغيرهم في هذا المؤلف، كان متخصصين في شتى إتجاهاته، ليجمعهم في نهاية المطاف طريقه المستقيم... طريق الذين أنعم الله عزّ وجلّ عليهم من عشاق الفضيلة، ورواد الحقيقة، وطالبي الإصلاح، وما أهداه من طريق!...ففي إتجاه مكافحة المحتل الغاصب كان هناك أعلام ضحوا براحتهم، وأفنوا صحتهم ثائرين على الإحتلال، مرحبين بعذاب السجن، وأليم الجوع... حتى تعلو كلمة الله تعالى، من هؤلاء: عبد الحميد بن باديس، وعبد العزيز جاديش، ومحمد البشير الإبراهيمي، ولهم مع ذلك صرخاتهم البيانية في إيقاظ الرقود، وإلهاب النفوس.وفي مجال الدعوة إلى مجد الإسلام والإستمساك بعروته الوثقى، وتدبيج الكتب، وإقامة الندوات لإذكاء الهم وإيقاد العواطف، هناك من أمثال: محمد إقبال، ومحمد عاكف، وعبد الرشيد إبراهيم، وشكيب إرسلان، وعبد الوهاب عزام، واللورد هدلي داعية الإسلام في بلاد الإنجليز.وفي مجال النود عن مقدسات الشريعة وحماية القرآن الكريم والسنّة من كيد المبشرين، والردّ على المستشرقين ذوي الأغراض المريبة نجد أمثال: محمد فريد وحدي، ومحمد رشيد رضا، وطنطاوي جوهري.وفي مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل الجهود المضفية في العمل بشريعة الإسلام مهما قامت الحوائل وتكاثفت الصعاب، هناك من أمثال: محمود أبو العيون، وأحمد غلوش، ومحمد الخضر حسن.وفي مجال تقدير التاريخ الإسلامي والنظر إلى أبطاله بعين الإنصاف مع التصدي لكل شبهة يلوكها الإستشراق هناك من أمثال: رفيق العظم، ومحمد الخضري وعبد الوهاب النجار، وأحمد أمين وفي مجال تنشيط الأدب العربي وإحياء اللغة العربية والعمل على نشر الثقافة العربية، وبعث التراث القديم، نجد من أمثال: أحمد حسن الزيات، وأحمد تيمور، وسيّد بن علي المرصفي، وعبد القادر المغربي.وقد تتشابك هذه المجالات وتتعانق، فكانت تتعدد آثار هؤلاء الأعلام وتتشعب مواقفهم في أكثر من الإتجاه؛ ولكن الرابط العام وراء ذلك هو الغيرة المفرطة على الإسلام، والهيام الكلف بمبادئه.
