"ما هذه المجموعة القصصية سوى محاولات لسبر أغوار بعض أعماق حقيقتنا، هي في بعضها قصصها عبارة عن تجربة للوصول إلى نقطة بداية إدراكنا، تلك النقطة التي تجبرنا على التوقف وتأمل ماهيتنا أحياناً".بهذه العبارات يبدأ الكاتب محمد خميس جديده القصصي "زَوْجَاتي" وهو متن فني متنوع يسائل في العمق التجربة الإنسانية، وينفتح على أسئلة موجعة تُبرز ...
قراءة الكل
"ما هذه المجموعة القصصية سوى محاولات لسبر أغوار بعض أعماق حقيقتنا، هي في بعضها قصصها عبارة عن تجربة للوصول إلى نقطة بداية إدراكنا، تلك النقطة التي تجبرنا على التوقف وتأمل ماهيتنا أحياناً".بهذه العبارات يبدأ الكاتب محمد خميس جديده القصصي "زَوْجَاتي" وهو متن فني متنوع يسائل في العمق التجربة الإنسانية، وينفتح على أسئلة موجعة تُبرز الشرخ النفسي لشرائح اجتماعية تجد نفسها مرغمة على الانخراط في ما يُنعت اليوم بروح العصر. لذلك وفي معظم سردياته نراه يخاطب القارئ قائلاً: "من الظلم والإجحاف أن يتحمل كائن من كان عواقب أفعاله، ما نحن إلا خليط من نتاج أعصاب وموصلات عصبية في الدماغ، وتغيرات فيزيائية وكيميائية تجري في أبداننا، وأبناء لظروف اجتماعية. ضحايا لآباء وأمهات هم بذاتهم ضحايا للحياة التي تربّوا فيها، شكَّلتنا ظروفنا الاقتصادية، وشحذتنا الثقافة السائدة، وتشبَّعنا بفهمنا الخاطئ للدين، ما نحن إلا ما تعرضنا له، وانكشفنا عليه...". وبقراءة متأنية ومتفحصة لنماذج من هذه المجموعة القصصية، سيلفيها القارئ لا محالة تجربة إبداعية في غاية الغنى والأهمية، ذلك أنها تقدم نموذج القراءة المشاركة والخلاقة، بما توفره للمتلقي من طاقات قرائية لا محدودة، تُمكِّنُهُ من حفر مسارات تأويلية زاخرة وغنية؛ فالكاتب لا يتوقف عن تضمينها آراؤه وأفكاره وشطحاته وتصوراته وفلسفته في الحياة. "عدت أطرح ذات الأسئلة التي بدأت منها: ما هي السعادة؟ وكيف هي السعادة؟ وأين هي السعادة؟ لم أجدها في الحب، ولم تأتِ مع المال والسلطة، وتوارت بعد مدة عن الأنباء، وفي المعرفة اختفت رغم استمرارها في المعرفة بالذات لمدة أطول، إلا أنها اختفت تماماً...". وبهذا المعنى فالقصص تتوجه إلى قارئ معاصر له مواصفات محددة وأهمها أنه يقرأ بعمق ويتمكن من استنطاق النصوص السردية في أبعادها الكبرى، وما تنطوي عليه من دلالات ومحمولات وإشارات، سواء على مستوى الحكاية أو الخطاب.تتألف المجموعة من خمسة عشرة قصة قصيرة، يحمل كل منها عنواناً رئيسياً بكلمة واحدة تارة، "الإدراك"، "الأصلع" أو بكلمتين تارة أخرى،"كلب سيدته"، "قوة الموت"، وقد يأتي العنوان، كذلك مذيلاً بعبارة بليغة، مثل:"المطلعون على خبايا الأمور"، "زواج عن حب كبير"، وتُشكل هذه القصص أبنية سردية مراوغة، يلعب فيه الراوي العليم الدور الرئيسي، فيما تهيمن عليها، مجموعة من المحاور الدلالية التي تمكن من قراءة النص في مكنوناته الداخلية، وفي كل هذا استكناه عوالم محمد خميس الروائية الطريفة والممتعة والعميقة في آن.