عني بتصحيح الكتاب وتخريجه وتعليق حواشيه محمد حسيني عفيفي. الكتاب طبعة ثانية.الحمد لله الحكيم الكريم العلي العظيم السميع العليم الرءوف الرحيم الذي اسبغ على عباده النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه ان رحمته تغلب عضبه فهو ارحم بعباده من الوالدة بولدها كما هو اشد فرحا بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وش...
قراءة الكل
عني بتصحيح الكتاب وتخريجه وتعليق حواشيه محمد حسيني عفيفي. الكتاب طبعة ثانية.الحمد لله الحكيم الكريم العلي العظيم السميع العليم الرءوف الرحيم الذي اسبغ على عباده النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه ان رحمته تغلب عضبه فهو ارحم بعباده من الوالدة بولدها كما هو اشد فرحا بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الارض المهلكة اذا وجدها واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له رب العالمين وارحم الراحمين الذي تعرف الى خلقه بصفاته واسمائه وتحبب اليهم باحسانه والائه واشهد ان محمدا عبده ورسوله الذي ختم به النبيين وارسله رحمة للعالمين وبعثه بالحنيفية السمحة والدين المهيمن على كل دين فوضع به الاصار والاغلال واغنى بشريعته عن طرق المكر والاحتيال وفتح لمن اعتصم بها طريقا واضحا ومنهجا وجعل لمن تمسك بها من كل ما ضاق عليه فرجا ومخرجا فعند رسول الله السعة والرحمة وعند غيره الشدة والنقمة فما جاءه مكروب الا وجد عنده تفريج كربته ولا لهفان الا وجد عنده اغاثة لهفته فما فرق بين زوجين الا عن وطر واختيار ولا شتت شمل محبين الا عن ارادة منهما وايثار ولم يخرب ديار المحبين بغلظ اللسان ولم يفرق بينهم بما جرى عليه من غير قصد الانسان بل رفع المؤاخذة بالكلام الذي لم يقصده بل جرى على لسانه بحكم الخطا والنسيان او الاكراه والسبق على طريق الاتفاق فقال فيما رواه عنه اهل السنن من حديث عائشة ام المؤمنين : لا طلاق ولا عتاق في إغلاق رواه الامام احمد وابو داود وابن ماجه والحاكم في صحيحه وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه قال ابو داود في غلاق ثم قال : والغلاق اظنه الغضب وقال حنبل : سمعت ابا عبدالله - يعني احمد بن حنبل - يقول : هو الغضب ذكره الخلال ابو بكر عبد العزيز ولفظ احمد : يعني الغضب قال ابو بكر سالت ابا محمد وابن دريد وابا عبد الله وابا طاهر النحويين عن قوله لا طلاق ولا عتاق في اغلاق قالوا : يريد الاكراه لانه اذا اكره انغلق عليه رايه ويدخل في هذا المعنى المبرسم مكرر والمجنون فقلت لبعضهم والغضب ايضا فقال : ويدخل فيه الغضب لان الاغلاق احدهما الاكراه والاخر ما دخل عليه مما ينغلق به رايه عليه وهذا مقتضى تبويب البخاري فإنه قال في صحيحه : باب الطلاق في الاغلاق والكره والسكران والمجنون يفرق بين الطلاق وفي الاغلاق وبين هذه الوجوه وهو ايضا مقتضى كلام الشافعي فانه يسمي نذر اللجاج والغضب يمين الغلق ونذر الغلق هذا اللفظ يريد به نذر الغظب وهو قوله غير واحد من ائمة اللغة والقول بموجبه وهو مقتضى الكتاب والسنة واقوال الصحابة والتابعين وائمة الفقهاء ومقتضى القياس الصحيح والاعتبار واصول الشريعة اما الكتاب فمن وجوده : احدها قوله تعالى : لا يؤاخذهم الله باللغو في ايمانكم و لكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال ابن جرير في تفسيره حدثنا ابن وكيع ثنا مالك بن اسماعيل عن خالد عن عطاء بن رستم عن ابن عباس قال : لغو اليمين ان تحلف وانت عضبان حدثنا ابن حمبد ثنا يحيى بن واضح ثنا ابو حمزة عن عطاء عن طاووس قال : كل يمين حلف عليها رجل وهو غضبان فلا كفارة عليه فيها لقوله لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم وهذا احد الاقوال في مذهب مالك ان لغو اليمين هو اليمين في الغضب وهذا اختيار اجل المالكية وافضلهم على الاطلاق وهو : القاضي اسماعيل بن اسحق فانه ذهب الى ان الغضبان لا تنعقد يمينه ولا تنافي بين هذا القول وبين قول ابن عباس وعائشة ان لغو اليمين هو قول الرجل لا والله وبلى والله وقول عائشة وغيرها ايضا : انه يمين الرجل على الشئ يعتقده كما حلف عليه فيتبين بخلافه فان الجميع من لغو اليمين والذي فسر لغو اليمين بانها يمين الغضب يقول بان النوعين الآخرين من اللغو وهذا هو الصحيح فإن الله سبحانه جعل لغو اليمين مقابلا لكسب القلب ومعلوم ان الغضبان والحالف على الشئ يظنه كما حلف عليه والقائل : لا والله وبلى والله من غير عقد اليمين لم يكسب قلبه عقد اليمين ولا قصدها والله سبحانه قد رفع المؤاخذة بلفظ جرى على اللسان لم يكسبه القلب ولا يقصده فلا تجوز المؤاخذة بما رفع الله المؤاحذة به بل قد يقال : لغو الغضبان اظهر من لغو القسمين الاخرين.