نتناول فى هذا الكتاب مجموعة منتقاة من مذكرات اليساريين المصريين الذين عانوا أنواعًا مختلفة من الاغتراب: اغتراب السجن، واغتراب الوطن، واغتراب الفكر، واغتراب الحالة النفسية، وقد جمع بين كل هذه الأنواع من الاغتراب التى فرضت عليهم سبب واحد هو تمسكهم بالفكر اليسارى.وقد عاش هؤلاء معظم حياتهم يعانون من هذا الاغتراب شبه الدائم، وأتيحت ل...
قراءة الكل
نتناول فى هذا الكتاب مجموعة منتقاة من مذكرات اليساريين المصريين الذين عانوا أنواعًا مختلفة من الاغتراب: اغتراب السجن، واغتراب الوطن، واغتراب الفكر، واغتراب الحالة النفسية، وقد جمع بين كل هذه الأنواع من الاغتراب التى فرضت عليهم سبب واحد هو تمسكهم بالفكر اليسارى.وقد عاش هؤلاء معظم حياتهم يعانون من هذا الاغتراب شبه الدائم، وأتيحت لهم فترات ابتعدوا فيها عن الشعور بالاغتراب، لكن الاغتراب نفسه فرض نفسه عليهم، فكيف ليسارى مصرى أن يسعد تمامًا بمعيشته فى جامعة يابانية، أو مؤسسة صحفية تعمل فى لندن، أو فى براج، أو فى إستكهولم؟! وكيف له أن يسعد حين يعمل فى شركة من شركات القطاع العام يحاول فى بعض أيامه أن يواصل فهمه اليسارى لكنه يقضى كل الأيام الأخرى فى عمل أقرب إلى الروتينية وإلى اليمينية أيضًا؟ بل كيف يمكن له أن يعمل فى محيط علمى لا يؤمن بأحقية فكره فى الوجود من الأساس؟ وكيف لهذا أو ذاك أن يحس بطعم النجاة من السجن والاعتقال بينما هو يرى إمكانية حدوث ذلك قائمة بالليل والنهار؟ وكيف له أن يطمئن إلى تقارير الأجهزة الأمنية أو إلى موقفها على وجه العموم؟ثم تتضاعف الغربة مرات كثيرة حين يجد اليسارى المصرى نفسه يعانى من انشقاقات اليسار، واتهام بعضهم لبعض بالعمالة للمباحث؟! ولا يقف الأمر فى الانشقاق والاتهام على الجماعات المنشقة بالفعل، لكنه يجد نفسه جاهزًا حين يرمى الأستاذ على تلميذه بمثل هذا الاتهام على نحو صريح وعلنى! ولا يجد التلميذ وسيلة لنفى التهمة عن نفسه، ولا لاسترضاء الأستاذ، وهكذا فقد يجد التلميذ البارز صدر أساتذته من غير اليساريين أكثر حنوًّا عليه من صدر أستاذه اليسارى.