يرى الكاتب في بحثه أن فكرة القومية والإقليمية الضيقة تسربت إلى العالم الإسلامي من العالم الغربي كأحد نتائج فترة الاستعمار الغربي للبلاد العربية وغيرها من بلدان العالم، بحيث صارت "القومية" قاعدةً لبناء الدُّول الحديثة، واستقرَّت مع فكرة القَومية عدَّةُ مفاهيمَ سياسيةٍ، منها: حقُّ تقرير المصير؛ أي: حقُّ كلِّ قوميَّةٍ في تكوين دولة...
قراءة الكل
يرى الكاتب في بحثه أن فكرة القومية والإقليمية الضيقة تسربت إلى العالم الإسلامي من العالم الغربي كأحد نتائج فترة الاستعمار الغربي للبلاد العربية وغيرها من بلدان العالم، بحيث صارت "القومية" قاعدةً لبناء الدُّول الحديثة، واستقرَّت مع فكرة القَومية عدَّةُ مفاهيمَ سياسيةٍ، منها: حقُّ تقرير المصير؛ أي: حقُّ كلِّ قوميَّةٍ في تكوين دولة مستقلَّة، وكذلك دعم استقلال الدُّول، وعدم التدخُّل في الشؤونِ الداخلية للدول الأخرى، وترسيخ مبدأ "الدولة - القومية"، وحصر الولاء في "الدولة"، والدفاع عن كِيانها بصرف النَّظر عن مبادئِها، ما دام أنَّها تمثِّلُ الأُطرَ القومية المشتركة، وتحافظ على وَحدة الجماعة. ومن المفاهيم التي ارتبطتْ بالفكر القوميِّ مفهومُ بِناء العلاقات الدولية على أساسِ "المصلحة"؛ وذلك في سبيل دعمِ وَحدة الجماعةِ ومصالحها في مواجهةِ مصالحِ الدُّولِ الأخرى. لذا جاء هذا البحث ليناقش مفهومَ الأمَّة القوميَّ، ومكوناتِها في الفكر الغربيِّ، ثم يقارنُ الفكرة الغربيَّة عن الأمَّة بنظرية الأمَّة في الفكر السياسيِّ الإسلامي؛ لإبراز عناصرِ تكوين الأمَّةِ في التصوُّر الإسلامي، ولنقضِ نموذج الأمَّة القومية الغربي؛ لاختلافِ أُسسِه ومكوِّناتِه عن النَّموذج الشرعيِّ، ويؤكِّد البحثُ أن تكوينَ الأمَّة في النَّظرية السياسية الإسلامية لا يرتبطُ بالخصائصِ الطَّبيعية المكوِّنة للأمَّة القوميَّة في الفكر الغربيِّ، حيث يؤكِّدُ الشَّرعُ الارتباطَ الفكري والمنهجيَّ كقاعدةٍ لبناء الأمَّة، كما يؤكِّدُ البحث أنَّ وجودَ الأمَّة يرتبط بقيامِ الدَّولة التي تحمل الفكرَ الإسلاميَّ وتطبِّقُه في واقع الحياةِ؛ ولذلك فهناك تلازمٌ - كما سنرى - بين مفهوم الأمَّة والدَّولةِ في النَّظريةِ السِّياسية الإسلاميَّةِ؛ ولهذا يقرِّرُ البحثُ أن المسلمين أمَّةٌ واحدةٌ، ويجب العملُ على وَحدتِهم في دولة واحدةٍ. ويرى الكاتب أن فكرة الأممية الإسلامية أو الوحدة بين المسلمين عامة أيًا كان موقعهم أو جنسياتهم تعارض بشكل جذري فكرة الأممية وتلك الحدود المصطنعة التي وضعها منظرو الاستعمار لتفتيت والقضاء على مفهوم الوحدة الإسلامية الأكثر شمولًا وبعدًا من مختلف النواحي المعاشية الحياتية. كما يناقش البحث - كذلك - الآثارَ المترتِّبة على وَحدة المسلمين في دولةٍ واحدة، ويبحثُ في نظام الجنسية الغربيِّ، ثم نظام الرَّعويَّةِ الإسلامي المبنيِّ على الارتباط الشَّرعي، والمؤكِّد أنَّ رَعويةَ دولةِ دار الإسلام "حقٌّ مقرَّرٌ بالشرع لكل من يعيش تحت سلطان الدَّولة عيشًا دائمًا من مسلمين وذمِّيين"، وأنَّ الرَّعوية "حقٌّ لكل مسلمٍ مهاجرٍ إذا أراد الإقامةَ الدَّائمة بالدولة الإسلاميَّةِ"، وقد استخدمْنا مصطلح "الرَّعوية" بدلاً من "الجنسية"؛ لِما للرَّعوية من مدلولٍ شرعي يتعلَّق برعاية الشُّؤون المُناطة إلى الدولة الإسلاميَّة، ولأن الرَّعوية ترتبط بالمسؤوليَّة الملقاة على الدولةِ وعلى الفرد في إقامة أحكامِ الشَّرعِ؛ وذلك مصداقًا لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه)).