نبذة النيل والفرات:يتخذّ الكاتب من أجواء "ألف ليلة وليلة" إطارا عاما لروايته هذه، محوّلا معالمها، ومخترقا حدودها، ومبعثرا محتوياتها، ليجد مكان خاصا لحكاياته وصوره الساخرة. يتحول الألم من واقع لا منطقي إلى كتابة ساخرة مرّة تعيد تشكيل الظاهر والمضمون. يقلب الراوي الأشكال والمعطيات المعروفة في كتاب ألف ليلة وليلة، كي يقدم الشكل الح...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:يتخذّ الكاتب من أجواء "ألف ليلة وليلة" إطارا عاما لروايته هذه، محوّلا معالمها، ومخترقا حدودها، ومبعثرا محتوياتها، ليجد مكان خاصا لحكاياته وصوره الساخرة. يتحول الألم من واقع لا منطقي إلى كتابة ساخرة مرّة تعيد تشكيل الظاهر والمضمون. يقلب الراوي الأشكال والمعطيات المعروفة في كتاب ألف ليلة وليلة، كي يقدم الشكل الحقيقي المتناسب مع معطيات واقع منقلبا على رأسه، يسير ويسّير بموازين ومقاييس متعاكسة مع المنطق وعلى ما يفترض أن تكون عليه طبيعة الأمور.يستعمل الكاتب اللغة المبطّنة والخيال السوريالي المنفلت من عقاله، بحثا عن جمال السخرية والانتقاد الماكر.يضع المشاهد والشخصيات في غير مواقعها الطبيعية المفروضة، فيعطي المومس شخصية المفكر الفهيم والعليم الذي يقرأ ويفهم ويستنتج من فكر الفيلسوف نيتشه، إذ تقول مثلا "للمختار": "الإمبراطورية القوية مثل غانية جميلة تحتاج إلى ساقين لتنهض عليهما، ساق في الشرق وساق في الغرب"، ويجعل من المسنيين الذين من المفروض بهم إيحاء الحكمة والطمأنينة، نواطير أبواب بيوت الهوى والدعارة.سيترك المختار الرسّام قريته مع زوجتيّه وأولاده متوجها إلى المدينة، بعد أن نصحه المعلم فيها بالذهاب إلى حلب لإلقاء لوحاته فيها، "ففي المدينة لا يخشى الناس من الرسم والتشكيل، بل يخشون من دفع الرسوم والتنكيل"، لتبدأ رحلته داخل عالم اختلط فيه الواقع والخيال، فلا يعرف المرء فيه أي الأحداث واقعا وأيّها خيال."في تلك البرهة وجد الديك الذي على النافذة أن الزمان قد سبقه.." لم يتمكن من الصياح فـ"أشار للصباح أن يعبر من الجهات الأخرى، حتى لا تنتبه إليه شهرزاد"، بلغة جميلة سلسلة كهذه العيّنة، والتي تدخل القلب، قبل الذهن، يمضي الراوي في وصفه وفي نسج حكاياته وفي استنتاج الحكم من مواقفها وأحداثها، على مثال: "إن كنت لا تعرف فحاول، وإن كنت تجهل فتعلم، وإن كنت لا ترى فتقرّ.."، وإن "الوحدة التامة يا مولاي، لا تكون على رؤوس الجبال، وإنما في قلب الجلبة والازدحام الشديد"، و"القاووش يا مولاي موضع فيه وحدة شديدة وازدحام كبير وبشر أوغلوا في الرطوبة والحنين.."، و"لأن المرأة من المروءة يا مولاي، فقد نهضت المرأة الغانية إلى الرجل وأعادت صياغته، وأعادت له بأسه،.."لغة جميلة، وأجواء ساحرة وسحرية في هذه الرواية المميزة والمتميزة بتعابيرها الخاصة، وبرؤيتها النافذة، في إطار من السخرية التي وإن كانت نابعة من ألم ومرارة وأسى، فهي لا تبغي التجريح، بقدر ما تريد كشف الحقائق مجبولة بالبسمة وبالحنان العميق.