يكتسب هذا البحث أهميته من تلك المحنة التي تعرضت لها عروبة مصر، ومسؤولياتها القومية منذ منتصف السبعينيات، ووصلت أوجها مع المقاطعة العربية لمصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد.. وذلك في مقابل فترة مد عربي قومي، شهدته مصر، وعاشته قبل السبعينيات وأدت دورها القيادي الطبيعي في منطقتها العربية وما يفرضه ذلك الدور عليها من مسؤوليات نحو أ...
قراءة الكل
يكتسب هذا البحث أهميته من تلك المحنة التي تعرضت لها عروبة مصر، ومسؤولياتها القومية منذ منتصف السبعينيات، ووصلت أوجها مع المقاطعة العربية لمصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد.. وذلك في مقابل فترة مد عربي قومي، شهدته مصر، وعاشته قبل السبعينيات وأدت دورها القيادي الطبيعي في منطقتها العربية وما يفرضه ذلك الدور عليها من مسؤوليات نحو أمتها العربية ونحو عروبتها.ولا نحسب التربية بعيدة عن ذلك كله.. فهذا الكتاب يتعامل مع ثلاثة متغيرات أساسية عي الاتجاه القومي العربي، والمجتمع المصري منذ قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 ونهاية بعام1981، والمتغير الثالث هو دائرة التربية والتعليم، دائرة التربية ممثلة في فكرها التربوي، ودائرة التعليم ممثلة في المقررات الدراسية في فترة الدراسة ويحاول الكتاب أن يمد خطا طوليا داخل مراكز هذه الدوائر المتداخلة: فلسفة المجتمع، وفلسفة التربية، والواقع التعليمي متمثلاً في لوائحه ومناهجه الدراسية.ومما لا شك فيه أن الحياة الفكرية للمجتمع المصري في هذا القرن قد شهدت تفاعل عدة تيارات فكرية أهمها الاتجاه القومي المصري، والاتجاه التغريبي والاتجاه الإسلامي والاتجاه العروبي والاتجاه الاشتراكي. ولعل حركتي المد والانحسار اللتين شهدهما الاتجاه القومي العربي في مصر على المستوى السياسي يغري بتتبع هذا الاتجاه، وتحليله، ورصد حركته في الحياة الفكرية، واستخلاص المؤثرات العاملة فيه، والصادرة منه، ورصد مساره في حياتنا الفكرية، واستخلاص ملامحه، وعناصره، ومضامينه.ومما يعطي البحث في دائرة فلسفة المجتمع أهميته، أنه لا يمكن فهم الواقع التربوي بعيداً عن فهم الفكر الموجه المحدد له، وفي الدول النامية-بالأخص- لا يمكن عزل ما يدور في العملية التربوية بتعقيداتها عما يدور في سياسة الحكم ونطمع وإذا كان من الأصح دراسة الثورات داخل سياق النظام الاجتماعي الذي حدثت فيه، في المقابل يجب أن دراسة التربية داخل السياق الاجتماعي التاريخي التي تقع فيه..كما أن الحديث عن نمو الوعي القومي في فترة الدراسة عن عملية التربية السياسية في مدارسنا في نفس الوقت، وحيث تكتسب عملية التنشئة السياسية داخل المؤسسات التعليمية بما تتضمنه من جوانب عقائدية وتعميق المواطنة وتشكيل الوعي القومي أهمية خاصة بعد قيام الثورات الكبرى في حياة الشعوب، وهذا ما حدث بعد ثورة 1952 في مصر..وعل مما يزيد الدراسة خصوبة عمقاً، ذلك التباين الذي حدث في حقبة السبعينيات في مصر تجاه المسالة القومية، ليس على المستوى الرسمي وحدة، بل إنه قد عادت دعوات مناهضة للعروبة إلى الظهور، ومثلما تبدى في حوار السبعينيات الشهير حول عروبة مصر، وحينما بدأت بعض الأصوات تنادي بحياد مصر أو أقلمتها وعزلها عن دورها ومسؤولياتها العربية ومحيطها الحيوي.وقد ركز الكتاب على تحليل المقررات الاجتماعية عن وعي بمسؤولية هذه المقررات في حمل العبء الأكبر في تشكيل الوعي عموماً، والوعي القومي خصوصاً عند الطلاب، وفي تحقيق التنشئة السياسية المطلوبة وتشكيل عملية المواطنة على وجهها المطلوب، ولذا فهي تعكس بصورة صحيحة-افتراضياً-صعود وهبوط حركة الاتجاه القومي في التعليم المصري طوال فترة الدراسة..كما اهتمت الدراسة بتحليل الفكر التربوي طيلة فترة الدراسة (1952-1981) متمثلاً في أدبياته المتواترة باعتبار أن الفكر يقود العمل والنظرية توجه التطبيق.. والكتاب يحاول الإجابة عن سؤال رئيسي هو: ما مدى تأثير الاتجاه القومي في التعليم في مصر في الفترة بين (1952-1981)؟