مهما تتنوع اتجاهات الاستشراق ومناهجه وتتعدد مداخل المثقفين العرب نحوه، فإن قضية الحوار والتفاعل لم تعد محض مسألة (أكاديمية)، كما أنها ليست ميدان منازلات وخصومات واتهامات، بل هي ميدان معرفي له أثره الفعلي في تكوين الرؤية العربية الإسلامية، والرؤية الغربية المتعددة، ولم يكن الفكر الغربي المعاصر في تاريخه مجرد بناء للحاضر أو استرجا...
قراءة الكل
مهما تتنوع اتجاهات الاستشراق ومناهجه وتتعدد مداخل المثقفين العرب نحوه، فإن قضية الحوار والتفاعل لم تعد محض مسألة (أكاديمية)، كما أنها ليست ميدان منازلات وخصومات واتهامات، بل هي ميدان معرفي له أثره الفعلي في تكوين الرؤية العربية الإسلامية، والرؤية الغربية المتعددة، ولم يكن الفكر الغربي المعاصر في تاريخه مجرد بناء للحاضر أو استرجاع متنوع النغمات للماضي، بل إنه كان في أغلبه مشدوداً إلى المادة الاستشراقية ورموزها مبجلاً بعضها ورافضاً الأخرى، مستعيناً بهذا المنهج وطارحاً للآخر، لكنه كان يرى دائماً في (الوسيط) الغربي استشراقياً أو غير ذلك سبيله إلى معرفة ذاته.وفي حين كانت النخبة الفكرية تنمو متحاورة، مؤتلفة أو متخالفة، لتوجد بناها المنطقية، كانت النخب الأخرى معرضة لمخاطر التوظيف العملي للمادة المتداولة، سياسية أو فكرية، لتسهل لنفسها بناء منظومة ما من الأفكار، سرعان ما تتهاوى هي الأخرى جراء عدم الإحاطة ببقية المنظومات لدى الآخرين.لقد كانت الاستهانة بالآخر مشكلة عند بعض المستشرقين، لكنها ظهرت أيضاً عند بعض جماعات المشورة والمشيئة في الوطن من زمن، على الغم من أن الواقع كان يحتم معرفة الذات أولاً قبل مطالبة الآخرين بهذه المعرفة. ويبقى موضوع الاستشراق في الفكر العربي خاضعاً للمزيد من القراءة والجدل والصراحة والنية المخلصة والمعرفة المتعددة الاتجاهات والاهتمامات. وضمن هذا الإطار يأتي هذا البحث الذي يتابع بعض أفكار الاستشراق العربي محللاً لها، بما يمثل أكثر من محاولة ومشاركة جدية في حركية الفكر العربي وعلاقته بالآخرين.