ليلى عسيران في «شرائط ملونة» ترتدي أقنعة وتخلع أخرى. وهي قلقة دائماً وحائرة في جميع الأحيان. الحياة، الموت، السعادة، الجنس. محطات في طفولة وشباب ونضج وما يصاحب ذلك من هوى ونزق وجنون وأسى ولوعة.حافلة كانت سيرة حياتي، لكني لم أسردها كلها بين طيات هذا الكتاب، لقد انتقيت منها ما أثّر بي، ورويته بذاكرة إنطباعية مليئة بحنين وجداني، لم...
قراءة الكل
ليلى عسيران في «شرائط ملونة» ترتدي أقنعة وتخلع أخرى. وهي قلقة دائماً وحائرة في جميع الأحيان. الحياة، الموت، السعادة، الجنس. محطات في طفولة وشباب ونضج وما يصاحب ذلك من هوى ونزق وجنون وأسى ولوعة.حافلة كانت سيرة حياتي، لكني لم أسردها كلها بين طيات هذا الكتاب، لقد انتقيت منها ما أثّر بي، ورويته بذاكرة إنطباعية مليئة بحنين وجداني، لم أكترث بالحيثيات اليومية، واخترت وقفات أعتقد أنها مهمة لإمرأة مرت بتجارب غير عادية في حقبة تاريخية مترعة بالأحداث، وبالأفئدة المتحمسة التي لاحقت الحدث وانفعلت به بشعور يفوق عظمة الحب بين الإنسان والآخر.إحباطنا الأول كان مأساة فلسطين، ورثناه وعشناه بعيون حائرة في الثامنة والأربعين، ثم انطلقنا نفتش عن الحل، وفتحت لنا الأحزاب مداخيلها، فدخلنا الباب العربي بشغف وصفاء، ابتدأ في بيروت ودمشق والقدس، وطغى على كافة المواقف العربية من المحيط إلى الخليج، فقلبنا، قلبنا ووجداننا، وهدفنا كان واسعاً هكذا!.وأنا لا أملك ذاكرة سردية وفية للتأريخ، بل هي أقرب ما تكون إلى الذاكرة الإنطباعية، المهم في أحداث حياتي ليس الحدث بذاته، بل كيف أثر على مسار حياتي وعلى ذاكرتي ولماذا، وفي سيرتي إنطلاقات عفوية، كانت جامحة، مخلصة، صافية، نقية، انطلقت وتفاعلت وعملت بلا حساب، وبدون أي طموح لمأرب شخصي، شغفت بالعطاء من أجل لذة العطاء، زرع جيلي في الأرض العربية التسامي المتدفق بعطائه دون مقابل، ونهضت أنا من نفس تلك الأرض إنسانة مسيسة، متفانية في المسلك الوطني.وكانت حياتي الشخصية متأثرة بالمسيرة الوطنية إلى أقصى حد، فقد ظل القياس الوطني للفرد عندي هو "ال" مقياس بدون منازع، ودخلت الحياة السياسية بعد زواجي من حيث لا أدري، ولعلي مررت بأصعب المواقف وأخطر الهواجس عندما كان خط الدولة يختلف عن الهدف الوطني، ولا أتذكّر يوماً أني تردّدت في الإختيار الوطني وترجيحه على مقاييس الدولة، لا لشيء، إلاّ لأني ظللت أؤمن أن هدفي السياسي يعمل في الجوهر من أجل الدولة القاردة على تنفيذ الأهداف الوطنية وإعطاء الفرصة بالتساوي لإنطلاق الطاقات المخلصة المتلزمة، أنا لم أفتعل الإلتزام، وعندما أفلت من يدي، وانقلبت الآية وأصبحت الخطوات الأكثر ثورية، هي الأقرب للتزلف إلى الدولة، ومن بعد ذلك تسلق سلم الدولة على حساب صفاء القضية، أي قضية كانت، شعرت أني فشلت!.مزقتني الحرب اللبنانية حتى كدت أصبح "ما ليس أنا"، واليوم أرفع رأسي من بين الأنقاض، وأفتش عن ابني، وأفتش عن رفاق العمر الذين تبعثروا، منهم من عاد، وتلقفته بين ذراعي الشوق العارم والفرحة الكبرى، وجدت بعض من ضاعوا في أرجاء الدنيا، ثم عادوا، وها نحن معاً نشد العزيمة لنكمل مشوار الحياة ومشوار بناء الوطن.الشرائط الملونة رمز!! هي وقفات اخترتها من سيرة حياتي كنماذج من مواقف اضطلعت بها دون غيري من النساء، لعلني وفقت، وربما فشلت، المهم هو أني اتخذت موقفاً من الحياة، ولم أمرّ بها مروراً سطحياً ولم أقبلها على عواهنها، بل حاولت التدخّل فيها، ثم أنجزت أشياء وفشلت في أخرى.شرائطي الملونة صورة مصغرة لنهم جيلي للحياة.